بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَرَٰوَدَتۡهُ ٱلَّتِي هُوَ فِي بَيۡتِهَا عَن نَّفۡسِهِۦ وَغَلَّقَتِ ٱلۡأَبۡوَٰبَ وَقَالَتۡ هَيۡتَ لَكَۚ قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ رَبِّيٓ أَحۡسَنَ مَثۡوَايَۖ إِنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (23)

قوله تعالى { وَرَاوَدَتْهُ التى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ } يعني : راودته عما أرادت عليه ، مما تريد النساء من الرجال ، فعلم بذكره ذكر الفاحشة ، ومعناه : طلبت إليه أن يمكنها من نفسه ، يعني : امرأة العزيز واسمها زليخا { وَغَلَّقَتِ الأبواب } عليها ، وعلى يوسف ، وجعلت تغره وتمازحه ، ويوسف يعظها بالله ، ويزجرها . ويروى عن ابن عباس ، أنه قال : كان يوسف إذا تبسم ، رأيت النور في ضواحكه ، وإذا تكلم ، رأيت شعاع النور في كلامه ، يذهب من بين يديه ، ولا يستطيع آدمي أن ينعت نعته . فقالت له : يا يوسف ما أحسن عينيك قال : هما أول شيء يسيلان إلى الأرض من جسدي . ثم قالت : يا يوسف ما أحسن ديباج وجهك قال : هو للتراب يأكله . ثم قالت : يا يوسف ما أحسن شعرك قال : هو أول ما ينتشر من جسدي . { وَقَالَتِ } : يا يوسف ، { هَيْتَ لَكَ } .

قرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم ، { هَيْتَ لك } بنصب الهاء والتاء ، يعني : أقبل ، ويقال : هلم إليّ ، والعرب تقول : هيت فلان لفلان ، إذا دعاه وصاح به ، وهكذا قرأ ابن مسعود وابن عباس والحسن ، وقرأ ابن عامر في رواية هشام { ***هِئْتُ } بكسر الهاء والهمز وضم التاء ، بمعنى تهيأت لك ، وقرأ ابن كثير { وَقَالَتْ هَيْتَ } لك بنصب الهاء وضم التاء ، ومعناه أنا لك ، وأنا فداؤك ، وقرأ نافع وابن عامر في إحدى الروايتين { هيتَ } بكسر الهاء ونصب التاء ، بغير همز . { قَالَ مَعَاذَ الله } يعني : قال يوسف : أعوذ بالله أن أعصيه وأخونه . { إِنَّهُ رَبّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَّ } يعني : إن سيدي الذي اشتراني أحسن إكرامي ، فلم أكن لأفعل بامرأته ذلك . { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون } يعني : لا ينجو الزناة من عذاب الله تعالى ، وفي هذه الآية دليل أن معرفة الإحسان واجب ، لأن يوسف امتنع عنها لأجل شيئين لأجل المعصية والظلم ، ولأجل إحسان الزوج إليه .