معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

قوله تعالى : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان } قرأ أبو عمرو : ( وأتبعناهم ) ، بقطع الألف على التعظيم ، ( ذرياتهم ) ، بالألف وكسر التاء فيها ، لقوله : ( ألحقنا بهم ) ( وما ألتناهم ) ، ليكون الكلام على نسق واحد . وقرأ الآخرون : ( واتبعتهم ) بوصل الألف وتشديد التاء بعدها وسكون التاء الأخيرة . ثم اختلفوا في ( ذريتهم ) : قرأ أهل المدينة الأولى بغير ألف وضم التاء ، والثانية بالألف وكسر التاء ، وقرأ أهل الشام ويعقوب كلاهما بالألف وكسر التاء في الثانية ، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما ورفع التاء في الأولى ونصبها في الثانية . واختلفوا في معنى الآية ، فقال قوم : معناها : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان } يعنى : أولادهم الصغار والكبار ، فالكبار بإيمانهم بأنفسهم ، والصغار بإيمان آبائهم ، فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعاً لأحد الأبوين { ألحقنا بهم ذريتهم } المؤمنين في الجنة بدرجاتهم وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم تكرمةً لآبائهم لتقر بذلك أعينهم . وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم . وقال آخرون : معناه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم البالغون بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم . وهو قول الضحاك ، ورواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما .

أخبر الله عز وجل أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه ، يدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمله من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئاً ، فذلك قوله : { وما ألتناهم } قرأ ابن كثير بكسر اللام ، والباقون بفتحها أي ما نقصناهم يعني : الآباء { من عملهم من شيء } أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد بن عبد الله الحديثي ، حدثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي ، حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة حدثنا جنادة بن المفلس حدثنا قيس بن الربيع حدثنا عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل ، لتقر بهم عينه ، ثم قرأ : { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } إلى آخر الآية .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا محمد بن فضل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال : " سألت خديجة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم : عن ولدين ماتا لها في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هما في النار ، فلما رأى الكراهية في وجهها ، قال : لو رأيت مكانهما لأبغضتهما ، قالت : يا رسول الله فولدي منك ؟ قال : في الجنة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم } " .

قوله تعالى : { كل امرئ بما كسب رهين } قال مقاتل : كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار ، والمؤمن لا يكون مرتهناً ، لقوله عز وجل : { كل نفس بما كسبت رهينة * إلا أصحاب اليمين } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

{ 21-28 } { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ * وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ }

وهذا من تمام نعيم أهل الجنة ، أن ألحق الله [ بهم ] ذريتهم الذين اتبعوهم بإيمان أي : الذين لحقوهم بالإيمان الصادر من آبائهم ، فصارت الذرية تبعا لهم بالإيمان ، ومن باب أولى إذا تبعتهم ذريتهم بإيمانهم الصادر منهم أنفسهم ، فهؤلاء المذكورون ، يلحقهم الله بمنازل آبائهم في الجنة وإن لم يبلغوها ، جزاء لآبائهم ، وزيادة في ثوابهم ، ومع ذلك ، لا ينقص الله الآباء من أعمالهم شيئا ، ولما كان ربما توهم متوهم أن أهل النار كذلك ، يلحق الله بهم أبناءهم وذريتهم ، أخبر أنه ليس حكم الدارين حكما واحدا ، فإن النار دار العدل ، ومن عدله تعالى أن لا يعذب أحدا إلا بذنب ، ولهذا قال : { كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ } أي : مرتهن بعمله ، فلا تزر وازرة وزر أخرى ، ولا يحمل على أحد ذنب أحد . هذا اعتراض من فوائده إزالة الوهم المذكور .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

ثم بين - سبحانه - أنواعا أخرى من تكريمه - تعالى - لهم ، فقال : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } .

والأية الكريمة بيان لحال طائفة من أهل الجنة - وهم الذين شاركتهم ذريتهم الأقل عملا منهم فى الإيمان - إثر بيان حال المتقين بصفة عامة .

والاسم الموصول مبتدأ ، وخبره جملة { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } . والمراد بالذرية هنا : ما يشمل الآباء والأبناء وقوله : { واتبعتهم } معطوف على { آمَنُواْ } . وقوله { بِإِيمَانٍ } متعلق بالاتباع ، والباء للسببية أو بمعنى فى .

ومعنى : { أَلَتْنَاهُمْ } أنقصناهم . يقال : فلان أَلَتَ فلانا حقه يألِتُه - من باب ضرب - إذا بخسه حقه .

والمعنى : والذين آمنوا بنا حق الإيمان واتبعتهم ذريتهم فى هذا الإيمان ، ألحقنا بهم ذريتهم ، بأن جمعناهم معهم فى الجنة ، وما نقصنا هؤلاء المتبوعين شيئا من ثواب أعمالهم ، بسبب إلحاق ذريتهم بهم فى الدرجة ، بل جمعنا بينهم فى الجنة . وساوينا بينهم فى العطاء - حتى ولو كان بعضهم أقل من بعض فى الأعمال - فضلا منا وكرما .

قال الإمام ابن كثير : يخبر - تعالى - عن فضله وكرمه ، وامتنانه ولطفه بخلقه وإحسانه : أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم فى الإيمان ، يلحقهم بآبائهم فى المنزلة وإن لم يبلغوا عملهم ، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم فى منازلهم ، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه ، بأ ، يرفع الناقص العمل بكامل العمل ، ولا ينقص ذاك من عمله ومنزلته .

للتساوى بينه وبين ذاك . ولهذا قال : { أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } .

عن ابن عباس قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن فى درجته ، وإن كانوا دونه فى العمل ، لتقر بهم عينه ، ثم قرأ هذه الآية .

وفى رواية أخرى عنه قال - عندما سئل عن هذه الآية - : هم ذرية المؤمنين يموتون على الإيمان ، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ، ولم ينقصوا من أعمالهم التى عملوها شيئا .

وقال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟ قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة ، ويجوز أن يراد : إيمان الذرية الدانى المحل ، كأنه قال : بشىء من الإيمان ، لا يؤهلهم لدرجة الآباء الحقناهم بهم .

قال الجمل : والذرية هنا تصدق على الآباء والأبناء ، فإن المؤمن إذا كان عمله الصالح أكثر ألحق به من هو دونه فى العمل أبا كان أو ابنا ، وهذا منقول عن ابن عباس وغيره .

وعن ابن عباس - أيضا - يرفعه إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ، سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده ، فيقال : إنهم لم يدركوا ما أدركت ، فيقول : يارب إنى عملت لى ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به " .

وقوله : { كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } أى : كل إنسان مرهون بعمله عند الله - تعالى - فإن كان عمله صالحا سعد وفاز ، وأطلق نفسه من كل ما يسوؤها ويحزنها ، وإن كان غير ذلك جوزى على حسب عمله وسعيه .

والتعبير بقوله { رَهَينٌ } للإشعار بأن كل إنسان مرتهن بعمله ، حتى لكأن العمل بمنزلة الدَّيْن ، وأن الإنسان لا يستطيع الفكاك منه إلا بعد أدائه .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

ويمضي التكريم خطوة فإذا ذريتهم المؤمنة تجتمع إليهم في هذا النعيم ، زيادة في الرعاية والعناية . ولو كانت أعمال الذرية أقل من مستوى مقام المتقين ، ما دامت هذه الذرية مؤمنة . وذلك دون أن ينقص شيء من أعمال الآباء ودرجاتهم . ودون إخلال بفردية التبعة وحساب كل بعمله الذي كسبه ، إنما هو فضل الله على الجميع :

( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم . وما ألتناهم من عملهم من شيء . كل امرئ بما كسب رهين ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَالّذِينَ آمَنُواْ وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَيْءٍ كُلّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّياتهم بإيمان ، ألحقنا بهم ذرّياتهم المؤمنين في الجنة ، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم ، تكرمة لاَبائهم المؤمنين ، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في هذه الاَية : «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهمْ بإِيمانٍ » فقال : إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذرّيته ، وإن كانوا دونه في العمل ، ليقرّ الله بهم عينه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرّية المؤمن في درجته ، وإن كانوا دونه في العمل ، ليقرّ بهم عينه ، ثم قرأ «وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّياتِهِم وَما أَلَتْناهمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن عمرو بن مرّة الجملي ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرّيّة المؤمن معه في درجته ، ثم ذكر نحوه ، غير أنه قرأ «وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » .

حدثني موسى بن بعد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا محمد بن بشر ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن سماعة ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، نحوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبَير عن ابن عباس ، أنه قال في هذه الاَية «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ » قال : المؤمن ترفع له ذرّيته ، فيلحقون به ، وإن كانوا دونه في العمل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرّيّاتهم التي بلغت الإيمان بإيمان ، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الإيمان ، وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » يقول : الذين أدرك ذرّيتهم الإيمان ، فعملوا بطاعتي ، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ، وأولادهم الصغار نلحقهم بهم .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : «وَالّذِينَ آمَنُوا وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » يقول : من أدرك ذريته الإيمان ، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة ، وأولادهم الصغار أيضا على ذلك .

وقال آخرون نحو هذا القول ، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله : أَلْحَقْنا بِهِمْ من ذكر الذرّية ، والهاء والميم في قوله : ذرّيتهم الثانية من ذكر الذين . وقالوا : معنى الكلام : والذين آمنوا واتبعتهم ذرّيتهم الصغار ، وما ألتنا الكبار من عملهم من شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : «وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » قال : أدرك أبناؤهم الأعمال التي عملوا ، فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرّياتهم التي لم يدركوا الأعمال ، فقال الله جلّ ثناؤه وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال : يقول : لم نظلمهم من عملهم من شيء فننقصهم ، فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم ، الذين لم يبلغوا الأعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الأعمال .

وقال آخرون : بل معنى ذلك وَالّذِينَ آمَنُوا وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِم ذُرّيّتَهُمْ فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم ، وما ألتنا الاَباء من عملهم من شيء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت داود يحدّث عن عامر ، أنه قال في هذه الاَية «وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ ألحقنا بهم ذرياتهم وَما أَلَتْناهُمْ مِنَ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » فأدخل الله الذرّية بعمل الاَباء الجنة ، ولم ينقص الله الاَباء من عملهم شيئا ، قال : فهو قوله : وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن سعيد بن جُبَير أنه قال في قول الله : «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ » قال : ألحق الله ذرّياتهم بآبائهم ، ولم ينقص الاَباء من أعمالهم ، فيردّه على أبنائهم .

وقال آخرون : إنما عنى بقوله : «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُمْ » : أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الاَباء . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سمعت إبراهيم في قوله : «وأتْبَعْناهُمْ ذرّيّاتِهمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » قال : أعطوا مثل أجور آبائهم ، ولم ينقص من أجورهم شيئا .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن إبراهيم «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإِيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِم » قال : أعطوا مثل أجورهم ، ولم ينقص من أجورهم .

قال : ثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ بإِيمَانٍ » يقول : أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول : ما نقصنا آباءهم شيئا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : «وَالّذِينَ آمَنُوا وأَتْبَعْناهُمْ ذُرّياتِهِمْ » كذلك قالها يزيد «ذُرّياتِهمْ بإِيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » قال : عملوا بطاعة الله فألحقهم الله بآبائهم .

وأولى هذه الأقوال بالصواب وأشبهها بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، وهو : والذين آمنوا بالله ورسوله ، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الإيمان بإيمان ، وآمنوا بالله ورسوله ، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الإيمان فآمنوا ، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم ، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لاَبائهم ، وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا .

وإنما قلت : ذلك أولى التأويلات به ، لأن ذلك الأغلب من معانيه ، وإن كان للأقوال الاَخر وجوه .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ على التوحيد بإيمان «ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » على الجمع ، وقرأته قراء الكوفة وَاتّبَعَتْهُمْ ذُرّيّتُهُمْ بإيمَانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّتَهُم كلتيهما بإفراد . وقرأ بعض قرّاء البصرة وهو أبو عمرو «وأتْبَعْناهُمْ ذُرّيّاتِهِمْ بإيمَانٍ ألْحَقْنا بِهِمْ ذُرّيّاتِهِمْ » .

والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قرأة الأمصار ، متقاربات المعاني ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

وقوله : وما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول تعالى ذكره : وما ألتنا الاَباء ، يعني بقوله : وَما ألَتْناهُمْ : وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا ، فنأخذه منهم ، فنجعله لأبنائهم الذين ألحقناهم بهم ، ولكنا وفّيناهم أجور أعمالهم ، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم ، تفضلاً منا عليهم . والألت في كلام العرب : النقص والبخس ، وفيه لغة أخرى ، ولم يقرأ بها أحد نعلمه ، ومن الألت قول الشاعر :

أبْلِغْ بني ثُعَلٍ عَنّي مُغَلْغَلَةً *** جَهْدَ الرّسالَةِ لا ألْتا وَلا كَذِبا

يعني : لا نُقصان ولا زيادة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال : ما نقصناهم .

حدثني علي قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن ابن عباس قوله : وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول : ما نقصناهم .

وحدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا موسى بن بشر ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن سماعة عن عمرو بن مرّة ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال : وما نقصناهم .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال : ما نقصنا الاَباء للأبناء .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : ما نقصنا الاَباء للأبناء ، وَما ألَتْناهُمْ قال : وما نقصناهم .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَما ألَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال : نقصناهم .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا حكام ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس وَما ألَتنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول : ما نقصنا آباءهم شيئا .

قال ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، مثله .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي المعلى ، عن سعيد بن جُبَير وَما أَلَتْناهُمْ قال : وما ظلمناهم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يقول : وما ظلمناهم من عملهم من شيء .

حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَما أَلَتَنْاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ يقول : وما ظلمناهم .

وحُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَما أَلَتْناهُمْ يقول : وما ظلمناهم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ قال : يقول : لم نظلمهم من عملهم من شيء : لم ننتقصهم فنعطيه ذرّياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الأعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الأعمال وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال : لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار ، وأدخلهم برحمته ، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم .

وقوله : كُل امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ يقول : كلّ نفس بما كسبت وعملت من خير وشرّ مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره ، وإنما يعاقب بذنب نفسه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

{ والذين آمنوا } على حور أي قرناهم بأزواج حور ورفقاء مؤمنين . وقيل إنه مبتدأ { ألحقنا بهم } وقوله : { واتبعتهم ذريتهم بإيمان } اعتراض للتعليل ، وقرأ ابن عامر ويعقوب " ذرياتهم " بالجمع وضم التاء للمبالغة في كثرتهم والتصريح ، فإن الذرية تقع على الواحد والكثير ، وقرأ أبو عمرو و " أتبعناهم ذرياتهم " أي جعلناهم تابعين لهم في الإيمان وقيل { بإيمان } حال من الضمير أو الذرية أو منهما وتنكيره للتعظيم ، أو الإشعار بأنه يكفي للإلحاق المتابعة في أصل الإيمان . { ألحقنا بهم ذريتهم } في دخول الجنة أو الدرجة . لما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال " إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه لتقر بهم عينه ثم تلا هذه الآية " وقرأ نافع وابن عامر والبصريان { ذرياتهم } . { وما ألتناهم } وما نقصناهم . { من عملهم من شيء } بهذا الإلحاق فإنه كان يحتمل أن يكون بنقص مرتبة الآباء أو بإعطاء الأبناء بعض مثوباتهم ، ويحتمل أن يكون بالتفصيل عليهم وهو اللائق بكمال لطفه . وقرأ ابن كثير بكسر اللام من ألت يألت ، وعنه " لتناهم " من لات يليت و " آلتناهم " من آلت يولت ، و " والتناهم " من ولت يلت ومعنى الكل واحد . { كل امرئ بما كسب رهين } بعمله مرهون عند الله تعالى فإن عمل صالحا فكه وإلا أهلكه .