الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ } قرأ أبو عمرو «وأتبعناهم » بالنون والألف «ذرياتهم » بالألف فيهما ، وكسر التائين لقوله : { أَلْحَقْنَا } { وَمَآ أَلَتْنَاهُم } ليكون الكلام على نسق واحد ، وقرأ الآخرون { وَاتَّبَعَتْهُمْ } بالتاء من غير ألف ثم اختلفوا في قوله : { ذُرِّيَّتُهُم } ، وقرأ أهل المدينة الأُولى بغير ألف وضم التاء ، والثانية بالألف وكسر التاء ، وقرأ أهل الشام بالألف فيهما وكسر تاء الثانية ، وهو اختيار يعقوب وأبي حاتم ، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما وفتح تاء الثانية ، وهو اختيار أبي عبيد .

واختلف المفسّرون في معنى الآية ، فقال قوم : معناها والذين آمنوا واتّبعتهم ذريّتهم التي بلغت الإيمان { بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان ، وهو قول الضحّاك ورواية العوفي عن ابن عباس . فأخبر الله سبحانه وتعالى أنّه يجمع لعبده المؤمن ذرّيته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا له ، ويدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته ، بعمل الأب من غير أن ينقص الآباء من أجور أعمالهم شيئاً فذلك قوله سبحانه : { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } يعني الآباء ، والهاء والميم راجعان إلى قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ } ، والألت : النقص والبخس .

أخبرني الحسن بن محمد بن عبد الله الحديثي ، قال : حدّثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي قال : حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : حدّثنا جنادة بن المفلس ، قال : حدّثنا قيس بن الربيع ، قال : حدّثنا عمرو بن المسرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنّ الله يرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه " ثم قرأ { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } قال : " ما نقصنا الآباء بما أعطينا ( البنين ) " .

وأخبرنا الحسن بن محمد قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن علي بن الحسن الهمداني ، قال : حدّثنا أبو عبد الله عمر بن نصر البغدادي ببردعة ، قال : حدّثنا محمد بن عبد الرَّحْمن بن غزوان ، قال : حدّثنا شريك بن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : أظنّه ذكره عن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة فسأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال : إنّهم لم يدركوا ما أدركت ، فيقول : عملت لي ولهم ، فيؤمر بإلحاقهم به " وتلا ابن عباس : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } .

وأخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : حدّثني عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي قال : " سألتْ خديجة النبيّ صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا في الجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هما في النار " قال : فلمّا رأى الكراهية في وجهها قال : " لو رأيت مكانهما لأبغضتِهما " قالت : يا رسول الله فولداي منك ؟

قال : " في الجنة " " .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

{ إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار }

ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } { كُلُّ امْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ } من الخير والشر { رَهَينٌ } مرهون فيؤخذ بذنبه ولا يؤخذ بذنب غيره .