ولما فرغ سبحانه من ذكر أهل الجنة على العموم ذكر حال طائفة منهم على الخصوص فقال { والذين آمنوا } فيه ثلاثة أوجه :
أحدهما : أنه منصوب بفعل مقدر أي وأكرمنا الذين آمنوا .
والثاني : أنه مجرور على ما قاله الزمخشري والذين آمنوا معطوف على حور عين أي قرناهم بحور عين ، وبالذين آمنوا أي بالرفقاء والجلساء منهم فيتمتعون تارة بملاعبة الحور العين ، وتارة بمؤانسة الإخوان قال أبو حيان : ولا يتخيل أحد أن قوله والذين آمنوا معطوف على حور عين غير هذا الرجل وهو تخييل أعجمي مخالف لفهم العربي ابن عباس وغيره .
قلت : أما ما ذكره الزمخشري من المعنى فلا شك في حسنه ونضارته وليس في الكلام العربي ما يدفعه ، بل لو عرض على ابن عباس وغيره لأعجبهم ، وأي مانع معنوي أو صناعي يمنعه .
والثالث : أنه مرفوع على أنه مبتدأ والخبر الجملة من قوله : ألحقنا بهم والأول أولى ، وقيل : المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار ، وظاهر الآية العموم ولا يوجب تخصيصها بهم كونهم السبب في نزولها ، إن صح ذلك ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
{ واتبعتهم ذريتهم بإيمان } أي حال كون الذرية متلبسة بإيمان استقلالي أو تبعي ، أما الذرية الكافرة فلا تتبع آباءها ، وهذا على أن الباء للملابسة لكن جمهور المفسرين على أنها للسببية ، أو بمعنى في ، وبهذا الإعتبار لا يظهر دخول الأولاد الكبار ، فإن إيمانهم إستقلالي لا تبعي كالصغار ، وقال أبو السعود : أي اتبعتهم ذريتهم بإيمان قاصر عن رتبة إيمان الآباء ، واعتبار هذا القيد للإيذان بثبوت الحكم في الإيمان الكامل أصالة لا إلحاقا ، وقرأ أبو عمرو ، اتبعناهم بإسناد الفعل إلى المتكلم المعظم نفسه ، كقوله : ألحقنا وقرأ الباقون : اتبعتهم بإسناد الفعل إلى الذرية ، وقرئ ذريتهم بالإفراد والجمع .
ومعنى الآية : أن الله سبحانه يرفع ذرية المؤمن إليه وإن كانوا دونه في العمل ، لتقر عينه ، وتطيب نفسه ، بشرط أن يكونوا مؤمنين فيختص ذلك بمن يتصف بالإيمان من الذرية وهم البالغون دون الصغار فإنهم وإن كانوا لاحقين بآبائهم ، فبدليل آخر غير هذه الآية ، وقيل : إن الذرية تطلق على الكبار والصغار ، كما هو المعنى اللغوي ، فيلحق بالآباء المؤمنين صغار ذريتهم وكبارهم .
{ ألحقنا بهم ذريتهم } الذرية هنا تصدق على الآباء وعلى الأبناء فإن المؤمن إذا كان عمله أكثر ألحق به من دونه في العمل ، ابنا كان أو أبا ، وهو منقول عن ابن عباس وغيره ، ويلحق بالذرية من النسب الذرية بالسبب ، وهو المحبة ، فإن كان معها أخذ علم أو عمل ، كانت أجدر ، فتكون ذرية الإفادة كذرية الولادة ، قاله الخطيب ، ولعل الأول أولى ، وقيل : إن الضمير في بهم راجع إلى الذرية المذكورة أولا ، أي ألحقنا بالذرية المتبعة لآبائهم بإيمان ذريتهم ، وإلحاق الذرية بهم بمحض الفضل والكرم ، وهذا هو الأليق بكمال لطفه ، قال ابن عباس أيضا في الآية : إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة ، وإن كانوا دونه في العمل ، لتقر به عينه ، ثم قرأ هذه الآية ، وأخرجه البزار وابن مردويه عنه مرفوعا .
" وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك وعملك ، فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به " أخرجه الطبراني وابن مردويه .
" وعن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن المؤمنين وأولادهم في الجنة ، وإن المشركين وأولادهم في النار ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { والذين آمنوا } الآية " أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند .
" وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول : يا رب من أين لي هذا ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك " {[1539]} ، أخرجه أحمد وإسناده صحيح .
{ وما ألتناهم من عملهم من شيء } قرئ بفتح اللام من ألتنا وبكسرها ، وهما سبعيتان ، أي وما نقصنا الآباء بإلحاق ذريتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئا ، وقيل : المعنى وما نقصنا الذرية من أعمالهم شيئا لقصر أعمارهم ، والأول أولى ، وقد قدمنا تحقيق معنى لاته وآلته في سورة الحجرات ، وقرئ وآلتناهم بالمد ، وهو لغة قال في الصحاح : يقال ما آلته من عمله شيئا أي ما نقصه ، قال ابن عباس : ما ألتناهم ما نقصناهم ، ومن زائدة .
{ كل امرئ بما كسب رهين } يعني مرهون ، والظاهر أنه عام ، وأن كل إنسان مرتهن بعمله ، فإن قام به على الوجه الذي أمر الله به فكه ، وإلا أهلكه ، وقيل : هو بمعنى راهن ، والمعنى كل امرئ بما كسب ثابت دائم وقيل : هذا خاص بالكفار لقوله : { كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين }
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.