تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ ٱمۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ} (21)

الآية 21 وقوله تعالى : { والذين آمنوا واتّبعتهم ذريتهم } قيل فيه بوجوه :

أحدها : ما قال أبو بكر الكيسانيّ : أي يلحق الأولاد بإيمانهم وأعمالهم درجات الآباء والأمهات ، وإن قصّرت أعمال الذّرية عن أعمال الآباء والأمهات ، لأن الدّرجات إنما تكون بالأعمال ؛ فهم ، وإن لم يبلُغوا في الأعمال مبلغ آبائهم ، فإنهم يلحقون بهم في الدرجات ، والله أعلم .

[ والثاني : ما ]{[19991]} قال بعضهم : إن الذُّرّية التقنوا الإيمان عن آبائهم وأمّهاتهم ، وأخذوه منهم ، ولم يبحثوا عن حجّته وبرهانه حتى يكون أخذهم وقبولهم دون{[19992]} البحث عن الحجّة والبرهان . فهم ، وإن كانوا مقلّدين آباءهم في الإيمان متلقّنين منهم ، فإنهم يلحقون بآبائهم ، وإن كان الإيمان عن الحجة أفضل من الإيمان بالتقليد والالتقان .

[ والثالث : ما ]{[19993]} قال بعضهم : إن الذُّرّية ، وإن لم يبلُغوا مبلغا يكون منهم الإيمان ، فإنهم يلحقون بآبائهم وأمهاتهم في إيمانهم ، وإن لم يكن منهم الإيمان ، ولم يأتوا به ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { وما ألتناهم من عملهم من شيء } على تأويل أبي بكر ، أي وما ألتنا من أعمال الذُّرّية من شيء ، أي ما نقصنا أعمال آبائهم في الثواب ، وإن قصّرت أعمالهم عن أعمالهم ، بل يبلُغون درجات آبائهم ، ويُوفَّرون كما يُوفَّر على آبائهم ، وتأويله أبعد هذه التأويلات التي ذكرنا .

وعلى تأويل غيره أي على ما نقصنا من أعمال آبائهم شيئا أي أنهم ، وإن بلغوا مبلغ الآباء ، فإن الآباء لا يُنقصون من أعمالهم شيئا ، ذكر هذا حتى لا يُظنّ أنه يُنقَص من ثواب آبائهم ، ويعطي لهم ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { كل امرئ بما كسب رهين } قال بعضهم : هذا صلة قوله عز وجل : { اصلَوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تُجزَون ما كنتم تعملون } [ الآية : 16 ] { كل امرئ بما كسب رهين } وهو يرد قول من يقول : إن الرهن لصاحبه ، له أن يَحلُبه وأن يركبه وأن ينتفع به ، ثم يُردّ إلى المُرتهِن ، ولو كان له هذا لكان لا يكون رهنا ، إذ أخبر أنه رهين أي محبوس ، فالرّهن هو الذي يُحبَس في كل وقت ، والله أعلم .


[19991]:في الأصل وم: و.
[19992]:في الأصل وم: عن.
[19993]:في الأصل وم: و.