معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المؤمنون مكية وآياتها ثماني عشرة ومائة .

أخبرنا أبو حامد أحمد بن عبد السلام الصالحي ، أنبأنا أحمد بن الحسين الحيري ، أنبأنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنبأنا محمد بن حماد ، أنبأنا عبد الرزاق ، أنبأنا يونس بن سليمان قال : أملى علي يونس صاحب أيلة ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القاري قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : { كان إذا نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه دوي كدوي النحل ، فمكثنا ساعة وفي رواية ، فنزل عليه يوماً فمكثنا ساعة ، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا ، ثم قال : لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة ، ثم قرأ قد أفلح المؤمنون إلى عشر آيات " . ورواه أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، وجماعة عن عبد الرزاق ، وقالوا : " وأعطنا ولا تحرمنا وأرضنا وارض عنا " .

قوله تعالى : { قد أفلح المؤمنون } ( ( قد ) ) حرف تأكيد ، وقال المحققون : ( ( قد ) ) تقرب الماضي من الحال ، يدل على أن الفلاح قد حصل لهم ، وأنهم عليه في الحال ، وهو أبلغ من تجريد ذكر الفعل ، والفلاح النجاة والبقاء ، قال ابن عباس : " قد " سعد المصدقون بالتوحيد وبقوا في الجنة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المؤمنون{[1]}

وهي مكية

هذا تنويه من الله ، بذكر عباده المؤمنين ، وذكر فلاحهم وسعادتهم ، وبأي : شيء وصلوا إلى ذلك ، وفي ضمن ذلك ، الحث على الاتصاف بصفاتهم ، والترغيب فيها . فليزن العبد نفسه وغيره على هذه الآيات ، يعرف بذلك ما معه وما مع غيره من الإيمان ، زيادة ونقصا ، كثرة وقلة ، فقوله { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } أي : قد فازوا وسعدوا ونجحوا ، وأدركوا كل ما يرام المؤمنون الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين الذين من صفاتهم الكاملة أنهم


[1]:- هذا التنبيه جعله الشيخ -رحمه الله- على غلاف المجلد الأول فصدرت به التفسير كما فعل -رحمه الله-.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

المجلد العاشر

تفسير سورة المؤمنون

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المؤمنون " من السور المكية ، وعدد آياتها ثماني عشرة آية ومائة ، وكان نزولها بعد سورة الأنبياء .

2- وقد افتتحت السورة الكريمة بالحديث عن الصفات الكريمة التي وصف الله –تعالى- بها عباده المؤمنين ، فذكر منها أنهم في صلاتهم خاشعون وأنهم عن اللغو معرضون . وأنهم للزكاة فاعلون . . .

ثم ختمت السورة تلك الصفات الجليلة ، ببيان ما أعده الخالق –عز وجل- لأصحاب هذه الصفات فقال : [ أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ] .

3- ثم تنتقل السورة بعد ذلك إلى الحديث عن أطوار خلق الإنسان ، فابتدأت ببيان أصل خلقه ، وانتهت ببيان أنه سيموت ، ثم سيبعث يوم القيامة ليحاسب على ما قدم وما أخر .

قال –تعالى- : [ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما . فكسونا العظام لحماً . ثم أنشأناه خلقاً آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين* ثم إنكم بعد ذلك لميتون* ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ] .

4- وبعد أن أقام –سبحانه- الأدلة على قدرته على البعث عن طريق خلق الإنسان في تلك الأطوار المتعددة ، أتبع ذلك ببيان مظاهر قدرته –تعالى- عن طريق خلق الكائنات المختلفة التي يراها الإنسان ويشاهدها وينتفع بها . .

فقال –سبحانه- : [ ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين* وأنزلنا من السماء ماء بقدر ، فأسكناه في الأرض ، وإنا على ذهاب به لقادرون ] .

5- ثم ساق –سبحانه- بعد ذلك فيما يقرب من ثلاثين آية بعض قصص الأنبياء مع أقوامهم ، فذكر جانباً من قصة نوح مع قومه ، ومن قصة موسى مع فرعون وقومه .

ثم ختم هذه القصص ببيان مظاهر قدرته في خلق عيسى من غير أب ، فقال –تعالى- : [ وجعلنا ابن مريم وأمه آية ، وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ] . .

6- ثم وجه –سبحانه- بعد ذلك نداء عاما إلى الرسل –عليهم الصلاة والسلام- أمرهم فيه بالمواظبة على أكل الحلال الطيب ، وعلى المداومة على العمل الصالح ، وبين –سبحانه- أن شريعة الأنبياء جميعاً هي شريعة واحدة في أصولها وعقائدها ، فقال –تعالى- : [ وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ] .

ثم تحدثت السورة الكريمة حديثاً طويلاً عن موقف المشركين من الدعوة الإسلامية ، وبينت مصيرهم يوم القيامة ، وردت على شبهاتهم ودعاواهم الفاسدة ، ودافعت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن دعوته ، وختمت هذا الدفاع بما يسلي النبي صلى الله عليه وسلم ويثبت فؤاده .

قال –تعالى- : [ وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم* وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ] .

ثم ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ألواناً من الأدلة على وحدانية الله وقدرته ، منها ما يتعلق بخلق سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم ، ومنها ما يتعلق بنشأتهم من الأرض ، ومنها ما يتعلق بإشهادهم على أنفسهم بأن خالق هذا الكون هو الله –تعالى- .

واستمع إلى قوله –تعالى- : [ قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون* سيقولون لله ، قل أفلا تذكرون . قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم* سيقولون لله قل أفلا تتقون . قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون* سيقولون لله قل فأنى تسحرون ] .

9- وبعد هذا الحديث المتنوع عن مظاهر قدرة الله –تعالى- ، أمر –سبحانه- نبيه أن يلتجئ إليه من شرورهم ومن شرور الشياطين ، وأمره أن يقابل سيئات هؤلاء المشركين بالتي هي أحسن ، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

قال –تعالى- : [ وقل رب إما تريني ما يوعدون* رب فلا تجعلني في القوم الظالمين* وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون* ادفع بالتي هي أحسن السيئة ، نحن أعلم بما يصفون* وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين* وأعوذ بك رب أن يحضرون ] .

10- ثم صورت السورة الكريمة في أواخرها أحوال المشركين عندما يدركهم الموت ، وكيف أنهم يتمنون العودة إلى الدنيا ولكن هذا التمني لا يفيدهم شيئا ، وكيف يوبخهم –سبحانه- على سخريتهم من المؤمنين في الدنيا .

قال –تعالى- : [ إنه كان فريق من عبادي يقولون ، ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين* فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون* إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ] .

11- ثم ختمت السورة الكريمة بهذه الآية التي يأمر الله –تعالى- فيها نبيه صلى الله عليه وسلم بالمواظبة على طلب المزيد من رحمته ومغفرته –سبحانه- فقال –تعالى- : [ وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ] .

12- وهكذا نرى سورة " المؤمنون " قد طوفت بنا في آفاق من شأنها أن تغرس الإيمان في القلوب ، وأن تهدي النفوس إلى ما يسعدها في دينها ودنياها .

وصلى الله على سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .

صباح الأحد : 2 من ربيع الأول سنة 1405ه

25/11/1984م .

كتبه الراجي عفو ربه

د . محمد سيد طنطاوي

أخرج الإمام أحمد والترمذى والنسائى عن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال : كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحى ، نسمع عند وجهه كدوى النحل ، فأنزل عليه يوماً ، فمكثنا ساعة فسرى عنه ، فاستقبل القبلة ، فرفع يديه فقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا ، وأكرمنا ولا تهنا ، وأعطنا ولا تحرمنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وارض عنا وأرضنا " .

ثم قال : لقد أنزلت على عشر آيات ، من أقامهن دخل الجنة ، ثم قرأ : { قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون } إلى قوله : { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .

وأخرج النسائى عن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة : يا أم المؤمنين ، كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : كان خلقه القرآن ، ثم قرأت : { قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون } حتى انتهت إلى قوله - تعالى - : { والذين هُمْ على صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } وقالت : هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم .

والفلاح : الظفر بالمراد ، وإدراك المأمول من الخير والبر مع البقاء فيه .

والخشوع : السكون والطمأنينة ، ومعناه شرعاً : خشية فى القلب من الله - تعالى - تظهر آثارها على الجوارح فتجعلها ساكنة مستشعرة أنها واقفة بين يدى الله - سبحانه - .

والمعنى : قد فاز وظفر بالمطلوب ، أولئك المؤمنون الصادقون ، الذين من صفاتهم أنهم فى صلاتهم خاشعون ، بحيث لا يشغلهم شىء وهم فى الصلاة عن مناجاة ربهم ، وعن أدائها بأسمى درجات التذلل والطاعة .

ومن مظاهر الخشوع : أن ينظر المصلى وهو قائم إلى موضع سجوده ، وأن يتحلى بالسكون والطمأنينة ، وأن يترك كل ما يخل بخشوعها كالعبث بالثياب أو بشىء من جسده ، فقد أبصر النبى صلى الله عليه وسلم رجلاً يعبث بلحيته فى الصلاة فقال : " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه " .

قال القرطبى : " اختلف الناس فى الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو مكملاتها على قولين ، والصحيح الأول ومحلق القلب ، وهو أول عمل يرفع من الناس . . . " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

بِسمِ اللّهِ الرحمَن الرّحِيمِ

القول في تأويل قوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالّذِينَ هُمْ عَنِ اللّغْوِ مّعْرِضُونَ } .

قال أبو جعفر : يعني جلّ ثناؤه بقوله : قَدْ أفلَحَ المُؤْمِنُونَ : قد أدرك الذين صدقوا الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأقرّوا بما جاءهم به من عند الله ، وعملوا بما دعاهم إليه مما سمي في هذه الأيات ، الخلودَ في جنّات ربهم وفازوا بطَلِبتهم لديه . كما :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرّزاق ، عن معمر ، عن قَتادة ، في قوله : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ قال : قال كعب : لم يخلق الله بيده إلاّ ثلاثة : خلق آدم بيده ، وكتب التوراة بيده ، وغرس جنة عَدْن بيده ، ثم قال لها : تكلمي فقالت : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ لما علمت فيها من الكرامة .

حدثنا سهل بن موسى الرازيّ ، قال : حدثنا يحيى بن الضريس ، عن عمرو بن أبي قيس ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن مجاهد ، قال : لما غرس الله تبارك وتعالى الجنة ، نظر إليها فقال : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ .

قال : ثنا حفص بن عمر ، عن أبي خلدة ، عن أبي العالية ، قال : لما خلق الله الجنة قال : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ فأنزل الله به قرآنا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جبير ، عن عطاء ، عن ميسرة ، قال : لم يخلق الله شيئا بيده غير أربعة أشياء : خلق آدم بيده ، وكتب الألواح بيده ، والتوراة بيده ، وغرس عدْنا بيده ، ثم قال : قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المؤمنون{[1]} .

أخبر الله تعالى عن فلاح المؤمنين وأنهم نالوا البغية وأحرزوا البقاء الدائم ، وروي عن كعب الأحبار أن الله تعالى لما خلق جنة عدن قال لها تكلمي فقالت { قد أفلح المؤمنون } ، وروي عن مجاهد أن الله تعالى لما خلق الجنة وأتقن حسنها قال { قد أفلح المؤمنون } ، وقرأ طلحة بن مصرف «قد أفلحُ المؤمنون » بضم الحاء يريد قد أفلحوا ، وهي قراءة مردودة{[8451]} ، وروي عنه «قد أُفلِح » بضم الهمزة وكسر اللام .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[8451]:قال عيسى بن عمر: "سمعت طلحة بن مصرف يقرأ: {قد أفلحوا المؤمنون}، فقلت له: أتلحن؟ قال: نعم كما لحن أصحابي"، قال أبو حيان الأندلسي تعقيبا على ذلك: "يعني أن مرجوعه في القراءة إلى ما روي، وليس بلحن لأنه على لغة "أكلوني البراغيث"، وقال الزمخشري: "أو على الإبهام والتفسير"، وفي كتاب ابن خالويه كتبت بواو بعد الحاء، وفي اللوامح: وحذفت واو الجمع بعد الحاء لالتقائهما في الدرج، وكانت الكتابة عليها محمولة على الوصل، نحو {ويمح الله الباطل}.