فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة المؤمنون

وهي مكية وآياتها مائة وثماني عشرة

قال القرطبي : كلها مكية في قول الجميع . أي بلا خلاف وآياتها مائة وتسع عشرة آية عند البصريين . ومائة وثماني عشرة آية عند الكوفيين وسبب هذا اختلافهم في قوله : { ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين } . هل هو آية أو بعض آية . وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال : صلى النبي صلى الله عليه وسلم بمكة الصبح . فاستفتح سورة المؤمنون حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون . أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع{[1]} . وأخرج البيهقي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لما خلق الجنة قال لها تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون ) وقد ورد في فضائل العشر الآيات من أول هذه السورة ما سيأتي قريبا .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ( 1 ) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ( 2 ) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ( 3 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ( 4 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ( 5 ) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ( 6 ) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ( 7 ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8 ) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ( 9 ) أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ( 10 ) } .

{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } قال الفراء : قد لتأكيد فلاحهم ، وإفادة ثبوت ما كان يتوقع الثبوت من قبل ، أو لتقريب الماضي من الحال ، ألا تراهم يقولون : قد قامت الصلاة قبل حال قيامها . والمعنى أن الفلاح قد حصل لهم وأنهم عليه في الحال ، والفلاح الظفر بالمراد ، والفوز بالمرام والنجاة عن المكروه . وقيل البقاء في الخير ، ويقال أفلح إذا دخل في الفلاح ؛ ويقال أفلحه إذا أصاره إلى الفلاح وقد تقدم معنى الفلاح في البقرة .

وقرئ أفلح بناء للمفعول ، وقرئ أفلحوا على الإبهام والتفسير ، أو على لغة أكلوني البراغيث .

وقد أخرج أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم عن عمر بن الخطاب قال : كان إذا أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما ، فمكثنا ساعة فسرّى عنه فاستقبل القبلة فقال : " اللهم زدنا ولا تنقصنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وأرضنا وارض عنا ، ثم قال : لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة " ثم قرأ قد أفلح المؤمنون ، حتى ختم العشر ، وفي إسناده يونس ابن سليم{[1252]} .

قال النسائي : لا نعرفه ، وعن يزيد بن بابنوس قال : قلنا لعائشة : كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت كان خلقه القرآن ، ثم قالت تقرأ سورة المؤمنين ، اقرأ قد أفلح المؤمنون حتى بلغ العشر فقالت هكذا كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[1252]:الترمذي كتاب التفسير سورة 23/1.