معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

قوله تعالى : { الله ولي الذين آمنوا } . ناصرهم ومعينهم ، وقيل : محبهم ، وقيل : متولي أمورهم لا يكلهم إلى غيره ، وقال الحسن : ولي هدايتهم .

قوله تعالى : { يخرجهم من الظلمات إلى النور } . أي من الكفر إلى الإيمان ، قال الواقدي : كل ما في القرآن من الظلمات والنور فالمراد منه الكفر والإيمان ، غير التي في سورة الأنعام ، ( وجعل الظلمات والنور ) فالمراد منه الليل والنهار ، سمي الكفر ظلمه لالتباس طريقه وسمي الإسلام نوراً لوضوح طريقه .

قوله تعالى : { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } . قال مقاتل : يعني كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب وسائر رؤوس الضلالة .

قوله تعالى : { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } . يدعونهم من النور إلى الظلمات ، والطاغوت يكون مذكراً ومؤنثاً وواحداً وجمعاً ، قال الله تعالى في المذكر والواحد : ( يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) وقال في المؤنث : ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها ) وقال في الجمع : ( يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) فإن قيل : كيف يخرجونهم من النور وهم كفار لم يكونوا في نور قط ؟ قيل : هم اليهود في الأرض ، وكانوا مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث لما يجدون في كتبهم من نعته ، فلما بعث كفروا به ، وقيل : هو على العموم في حق جميع الكفار ، قالوا : منعهم إياهم من الدخول فيه إخراج ، كما يقول الرجل لأبيه : أخرجتني من مالك ولم يكن فيه ، كما قال الله تعالى إخباراً عن يوسف عليه السلام : ( إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله ) ولم يكن قط في ملتهم .

قوله تعالى : { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

ثم ذكر السبب الذي أوصلهم إلى ذلك فقال : { الله ولي الذين آمنوا } وهذا يشمل ولايتهم لربهم ، بأن تولوه فلا يبغون عنه بدلا ولا يشركون به أحدا ، قد اتخذوه حبيبا ووليا ، ووالوا أولياءه وعادوا أعداءه ، فتولاهم بلطفه ومنَّ عليهم بإحسانه ، فأخرجهم من ظلمات الكفر والمعاصي والجهل إلى نور الإيمان والطاعة والعلم ، وكان جزاؤهم على هذا أن سلمهم من ظلمات القبر والحشر والقيامة إلى النعيم المقيم والراحة والفسحة والسرور { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } فتولوا الشيطان وحزبه ، واتخذوه من دون الله وليا ووالوه وتركوا ولاية ربهم وسيدهم ، فسلطهم عليهم عقوبة لهم فكانوا يؤزونهم إلى المعاصي أزا ، ويزعجونهم إلى الشر إزعاجا ، فيخرجونهم من نور الإيمان والعلم والطاعة إلى ظلمة الكفر والجهل والمعاصي ، فكان جزاؤهم على ذلك أن حرموا الخيرات ، وفاتهم النعيم والبهجة والمسرات ، وكانوا من حزب الشيطان وأولياءه في دار الحسرة ، فلهذا قال تعالى : { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة الكافرين فقال - تعالى - :

{ الله وَلِيُّ الذين . . . }

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 257 )

{ وَلِيُّ } : الناصر والمعين الحليف . مأخوذ من الولاية بمعنى النصرة .

والمعنى : الله الذي بيده ملكوت كل شيء { وَلِيُّ الذين آمَنُواْ } أي معينهم وناصرهم ومتولي أمورهم ، فهو - سبحانه - الذي يخرجهم من ظلمات الكفر ، ومن ضلالات الشرك والفسوق والعصيان إلى نور الحق والهداية والتحرر من الأوهام . أما الذين كفروا فأولياؤهم ونصراؤهم الطاغوت الذي يتمثل في الشيطاطين والأصنام والأوهام المورثة والكبرياء والمضلين ، وهؤلاء يخرجونهم بسبب انطماس بصيرتهم وانتكاسهم في المعاصي من نور الإِيمان والهداية إلى ظلمات الكفر والضلالة . أولئك الموصوفون بتلك الصفات القبيحة أصحاب النار هم فيها خالدون خلودا مؤبداً .

وأفرد - سبحانه - النور وجمع الظلمات ، لأن الحق واحد أما الظلمات فقد تعددت فنونها وألوانها وأسبابها . وفي تقديم { والذين كفروا } في قوله :

{ والذين كفروا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطاغوت } إشارة إلى أنهم هم الذين ارتضوا سأن يكون الطغيان مسيطراً على قلوبهم لأن كفرهم بالله - تعالى - هو الذي جعل الشيطان ينفذ إلى أقطار نفوسهم بسهولة ويسر .

وقوله : { والذين كفروا } مبتدأ { أَوْلِيَآؤُهُمُ } مبتدأ ثان ، و { الطاغوت } خبره والجملة خبر المبتدأ الأول .

ولم يقل - سبحانه - والطاغوت ولي الذين كفروا للاحتراز عن وضع اسم الطاغوت في مقابل لفظ الجلالة .

فإن قيل : وهل كان الكافرون في نور ثم أخرجوا منه ؟ فالجواب أن المراد يخرجونهم من النور الفطري الذي جعل عليه الناس كافة أو من نور الحجج الواضحات التي من شأنها أن تحمل كل عاقل على الدخول في الإِسلام . وقيل المراد بهؤلاء المخرجين من النور إلى الظلمات أولئك الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ثم كفروا به بعدها والإِشارة في قوله : { أولئك } تعود إلى الذين كفروا . وفي التعبير " بأصحاب النار " إشعار بأنهم ملازمون لها كما يلازم المالك ما يملكه والرفيق رفيقه . وقوله { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } تأكيد لبقائهم فيها واختصاصهم بها .

وبذلك تكون الآية الكريمة قد ساقت أحسن البشارات للمؤمنين ، وأشد العقوبات للكافرين الذين استحبوا العمى على الهدى .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

القول في تأويل قوله تعالى : { اللّهُ وَلِيّ الّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مّنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَالّذِينَ كَفَرُوَاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مّنَ النّورِ إِلَى الظّلُمَاتِ أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

القول في تأويل قوله : { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } يعني تعالى ذكره بقوله { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } نصيرهم وظهيرهم ، يتولاهم بعونه وتوفيقه ، { يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمات } يعني بذلك : يخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، وإنما عني بالظلمات في هذا الموضع : الكفر ، وإنما جعل الظلمات للكفر مثلاً ، لأن الظلمات حاجبة للأبصار عن إدراك الأشياء وإثباتها ، وكذلك الكفر حاجب أبصار القلوب عن إدراك حقائق الإيمان ، والعلم بصحته وصحة أسبابه ، فأخبر تعالى ذكره عباده أنه وليّ المؤمنين ومبصرهم حقيقة الإيمان وسبله وشرائعه وحججه ، وهاديهم ؛ فموفقهم لأدلته المزيلة عنهم الشكوك بكشفه عنهم دواعي الكفر ، وظلم سواتر أبصار القلوب .

ثم أخبر تعالى ذكره عن أهل الكفر به ، فقال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا } يعني الجاحدين وحدانيته أولياؤهم يعني نصراؤهم وظهراؤهم الذين يتولونهم الطاغوت ، يعني الأنداد والأوثان الذين يعبدونهم من دون الله { يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } يعني بالنور : والإيمان على نحو ما بينا إلى الظلمات ، ويعنى بالظلمات : ظلمات الكفر وشكوكه ، الحائلة دون أبصار القلوب ، ورؤية ضياء الإيمان ، وحقائق أدلته وسبله .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } يقول : من الضلالة إلى الهدى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ } الشيطان { يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } يقول : من الهدى إلى الضلالة .

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } الظلمات : الكفر ، والنور : الإيمان { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } يخرجونهم من الإيمان إلى الكفر . حدثت عن عمار ، قال : ثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله تعالى ذكره { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } يقول : من الكفر إلى الإيمان { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } يقول : من الإيمان إلى الكفر .

حدثنا ابن حميد ، قال ثنا جرير ، عن منصور ، عن عبد الله بن أبي لبابة ، عن مجاهد أو مقسم في قول الله { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } قال : كان قوم آمنوا بعيسى ، وقوم كفروا به ؛ فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم آمن به الذين كفروا بعيسى ، وكفر به الذين آمنوا بعيسى ، أي يخرج الذين آمنوا إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت آمنوا بعيسى وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، قال : يخرجونهم من النور إلى الظلمات .

حدثنا المثنى ، قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت منصوراً ، عن رجل ، عن عبدة بن أبي لبابة قال في هذه الآية { اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ } إلى { أُولَئِكَ أصحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } قال : هم الذين كانوا آمنوا بعيسى بن مريم ، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم آمنوا به ، وأنزلت فيهم هذه الآية .

وهذا القول الذي ذكرناه عن مجاهد وعبدة بن أبي لبابة يدل على أن الآية معناها الخصوص ، وأنها إن كان الأمر كما وصفنا نزلت فيمن كفر من النصارى بمحمد صلى الله عليه وسلم وفيمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، من عبدة الأوثان الذين لم يكونوا مقرين بنبوة عيسى وسائر الملل التي كان أهلها تكذب بعيسى .

فإن قال قائل : أو كانت النصارى على حق قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، فكذبوا به ؟ قيل : من كان منهم على ملة عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فكان على حق وإياهم عنى الله تعالى ذكره بقوله :

{ يا أيُّها الَّذِينَ آمَنوا آمِنُوا باللهِ ورَسُولِهِ }

فإن قال قائل : فهل يحتمل أن يكون قوله : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } أن يكون معنياً به غير الذين ذكر مجاهد وغيره أنهم عنوا به من المؤمنين بعيسى أو غير أهل الردة والاسلام ؟ قيل : نعم يحتمل أن يكون معنى ذلك : والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يحولون بينهم وبين الإيمان ، ويضلونهم فيكفرون ، فيكون تضليلهم إياهم حتى يكفروا إخراجاً منهم لهم من الإيمان يعني صدهم إياهم عنه وحرمانهم إياهم خيره ، وإن لم يكونوا كانوا فيه قبل كقول الرجل : أخرجني والدي من ميراثه : إذا ملك ذلك في حياته غيره ، فحرمه منه خطيئة ، ولم يملك ذلك القائل هذا الميراث قط فيخرج منه ، ولكنه لما حرمه ، وحيل بينه وبين ما كان يكون له لو لم يحرمه ، قيل : أخرجه منه ، وكقول القائل : أخرجني فلان من كتيبته ، يعني لم يجعلني من أهلها ، ولم يكن فيها قط قبل ذلك ، فكذلك قوله : { يُخْرِجُهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } يحتمل أن يكون إخراجهم إياهم من الإيمان إلى الكفر على هذا المعنى ، وإن كان الذي قاله مجاهد وغيره أشبه بتأويل الآية .

فإن قال لنا قائل : وكيف قال : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أوْلِياؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ } فجمع خبر الطاغوت بقوله يخرجونهم ، والطاغوت واحد . قيل : ان الطاغوت اسم لجمع وواحد وقد يجمع طواغيت ، وإذا جعل واحده وجمعه بلفظ واحد كان نظير قولهم : رجل عدل ، وقوم عدل ، ورجل فطر ، وقوم فطر ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي تأتي موحدة في اللفظ واحدها وجمعها وكما قال العباس بن مرداس :

فَقُلْنا أسْلِمُوا أنا أخُوكُمُ-***-فَقَدْ بَرِئَتْ مِنَ الإحَنِ الصُّدُورُ

القول في تأويل قوله { أُولَئِكَ أصحَابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُون } يعني تعالى ذكره بذلك : هؤلاء الذين كفروا أصحاب النار ، أهل النار الذين يخلدون فيها ، يعني في نار جهنم دون غيرهم من أهل الإيمان إلى غير غاية ولا نهاية أبداً .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

{ الله ولي الذين آمنوا } محبهم ، أو متولي أمورهم ، والمراد بهم من أراد إيمانه وثبت في علمه أنه يؤمن . { يخرجهم } بهدايته وتوفيقه . { من الظلمات } ظلمات الجهل واتباع الهوى وقبول الوساوس والشبه المؤدية إلى الكفر . { إلى النور } إلى الهدى الموصل إلى الإيمان ، والجملة خبر بعد خبر ، أو حال من المستكن في الخبر ، أو من الموصول ، أو منهما ، أو استئناف مبين ، أو مقرر للولاية . { والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت } أي الشياطين ، أو المضلات من الهوى والشيطان وغيرهما . { يخرجونهم من النور إلى الظلمات } من النور الذي منحوه بالفطرة ، إلى الكفر وفساد الاستعداد والانهماك في الشهوات ، أو من نور البينات إلى ظلمات الشكوك والشبهات . وقيل : نزلت في قوم ارتدوا عن الإسلام ، وإسناد الإخراج إلى الطاغوت باعتبار التسبب لا يأبى تعلق قدرته تعالى وإرادته بها . { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } وعيد وتحذير ، ولعل عدم مقابلته بوعد المؤمنين تعظيم لشأنهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 257 )

ال{ ولي } فعيل من ولي الشيء إذا جاوره ولزمه ، فإذا لازم أحد أحداً بنصره ووده واهتباله فهو وليه ، هذا عرفه في اللغة . قال قتادة : { الظلمات } الضلالة . و { النور } الهدى . وبمعناه قال الضحاك والربيع وقال مجاهد وعبدة بن أبي لبابة إن قوله : { الله ولي الذين آمنوا } الآية نزلت في قوم آمنوا بعيسى فلما جاء محمد عليه السلام كفروا به فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : فكأن هذا القول( {[2469]} ) أحرز نوراً في المعتقد خرج منه إلى ظلمات . ولفظ الآية مستغنٍ عن هذا التخصيص بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب . ومترتب في الناس جميعاً( {[2470]} ) ، وذلك أن من آمن منهم فالله وليه أخرجه من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ومن كفر بعد وجود الداعي النبي المرسل فشيطانه ومغويه كأنه أخرجه من الإيمان ، إذ هو معد وأهل للدخول فيه . وهذا كما تقول لمن منعك الدخول في أمر ما : أخرجتني يا فلان من هذا الأمر وإن كنت لم تدخل فيه البتة .

ولفظة { الطاغوت } في هذه الآية تقتضي أنه اسم جنس ، ولذلك قال { أولياؤهم } بالجمع ، إذ هي أنواع( {[2471]} ) ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ، أولياؤهم الطواغيت ، يعني الشياطين ، وحكم عليهم بالخلود في النار لكفرهم( {[2472]} ) .


[2469]:- في بعض النسخ: "هذا المعتقَد" وهي أولى وأنسب: لقوله بعدها: "أحرز نوراً في المعتقد". وقد نقلها القرطبي عن ابن عطية بهذا النص: "فكأن هذا المعتقد أحرز نوراً في المعتَقِد".
[2470]:- لا في خصوص مَنْ آمن بعيسى عليه السلام ثم كفر بمحمد عليه السلام.
[2471]:- أي الطواغيت أنواع من الظلمات والضلالات، وأما الحق فهو واحد ولذلك أفرد النور.
[2472]:- من لطيف ما ذكره أبو (ح) في هذه الآية قوله في "البحر المحيط" 2-283 ما نصه: وقد تباين الإخبار في هاتين الجملتين فاستفتحت آية المؤمنين باسم الله تعالى، وأخبر عنه بأنه ولي المؤمنين تشريفاً لهم، إذ بُدئ في جملتهم باسمه تعالى، ولقربه من قوله: [والله سميع عليم]، واستفتحت آية الكافرين بذكرهم نعيا عليهم، وتسمية لهم بما صدر منهم من القبيح. ثم أخبر عنهم بأن أولياءهم الطاغوت، ولم يصدر الطاغوت استهانة به، وأنه مما ينبغي ألا يجعل مقابلا لله تعالى، ثم عكس الإخبار فيه... الخ».