معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

قوله تعالى : { وإن أحد من المشركين استجارك } . أي وإن استجارك من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم ، أي استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام الله . قوله تعالى : { فأجره } . فأعذه وأمنه .

قوله تعالى : { حتى يسمع كلام الله } . فيما له وعليه من الثواب والعقاب .

قوله تعالى : { ثم أبلغه مأمنه } . أي إن لم يسلم أبلغه مأمنه . أي الموضع الذي يأمن فيه هو دار قومه ، فإن قاتلك بعد ذلك فقدرت عليه فاقتله .

قوله تعالى : { ذلك بأنهم قوم لا يعلمون } . أي لا يعلمون دين الله تعالى وتوحيده فهم محتاجون إلى سماع كلام الله . قال الحسن : وهذه الآية محكمة إلى يوم القيامة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

{ 6 ْ } { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ْ }

لما كان ما تقدم من قوله { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ْ } أمرا عاما في جميع الأحوال ، وفي كل الأشخاص منهم ، ذكر تعالى ، أن المصلحة إذا اقتضت تقريب بعضهم جاز ، بل وجب ذلك فقال : { وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ ْ } أي : طلب منك أن تجيره ، وتمنعه من الضرر ، لأجل أن يسمع كلام اللّه ، وينظر حالة الإسلام .

{ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ْ } ثم إن أسلم ، فذاك ، وإلا فأبلغه مأمنه ، أي : المحل الذي يأمن فيه ، والسبب في ذلك أن الكفار قوم لا يعلمون ، فربما كان استمرارهم على كفرهم لجهل منهم ، إذا زال اختاروا عليه الإسلام ، فلذلك أمر اللّه رسوله ، وأمته أسوته في الأحكام ، أن يجيروا من طلب أن يسمع كلام اللّه .

وفي هذا حجة صريحة لمذهب أهل السنة والجماعة ، القائلين بأن القرآن كلام اللّه غير مخلوق ، لأنه تعالى هو المتكلم به ، وأضافه إلى نفسه إضافة الصفة إلى موصوفها ، وبطلان مذهب المعتزلة ومن أخذ بقولهم : أن القرآن مخلوق .

وكم من الأدلة الدالة على بطلان هذا القول ، ليس هذا محل ذكرها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

وبعد ان بين - سبحانه - حكم المصرين على الشرك وهو تقالهم وأخذهم ، وحكم الراجعين عنه وهو إخلاء سبيلهم . بعد ذلك بين - سبحانه - حكم المشركين الذين يطلبون الأمان لمعرفة شرائع الإِسلام فقال - تعالى - : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين . . . } .

وقوله : استجارك ، أى ، طلب جوارك وحمايتك من الاعتداء عليه ، وقد كان من الأخلاق الحميدة المتعارف عليها حماية الجار والدفاع عنه ، حتى سمى النصير جارا ، وعلى هذا المعنى جاء قوله . تعالى : { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليوم مِنَ الناس وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } أى : نصير لكم .

و { إِنْ } شرطية و { أَحَدٌ } مرفوع بفعل مضمر يفسره الفعل الظاهر وهو { استجارك } والمعنى : وإن استأمنك - يا محمد - أحد من المشركين ، وطلب جوارك وحمايتك بعد انقضاء مدة المحددة له ، { فَأَجِرْهُ } أى : فأمنه وأجبه إلى طلبه ، { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } أى : لكى يسمع كلام الله ويتدبره ويطلع على حقيقة ما تدعو إليه من تعاليم مقنعة للعقول السليمة بأن الشرك ظلم عظيم . .

واقتصر على ذكر السماع لعدم الحاجة إلى شئ آخر في الفهم ، لأنهم من أهل الفصاحة والبلاغة ، وقد كان سماع بعضهم لشئ من كلام الله سببا في هدايته .

وقوله : { ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } بيان لما يجب على المسلمين نحو هذا المشرك المستجير إذا ما استمع إلى كلام الله ثم بقى على شركه .

أى : عليك - يا محمد - أن تجيزه حتى يسمع كلام الله ويتدبره ولا يبقى له عذر في الاصرار على شركه ، فإن آمن بعد سماعه صار من أتباعك ، وإن بقى على شركه وأراد الرجوع إلى جماعته ، فعليك أن تحافظ عليه حتى يصل إلى مكان أمنه واستقراره ، وهو ديار قومه : ثم بعد ذلك يصبح حكمه كحكم المصرين على الشرك ، ويعامل بما يعاملون به .

واسم الإِشارة في قوله : { ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } يعود إلى الأمر بالإِجارة وإبلاغ المأمن .

أى : ذلك الذي أمرناك به من إجارة المستجير من المشركين وإبلاغه مأمنه إذا لم يسلم ، بسبب أنهم قوم لا يعلمون الإِسلام ولا حقيقة ما تدعوهم إليهم أى قوم يحتاجون إلى فترة من الوقت يسمعون كلام الله فيها وهم آمنون ، وبهذا السماع منك ومن أصحابك لا يبقى لهم عذر أصلا في استمرارهم على الباطل .

عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل من المشركين إلى على بن أبى طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام الله أولحاجة : قتل ؟ فقال له على : لا ، لأن الله يقول { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ المشركين استجارك فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } الآية .

هذا ، ومن الأحكام والآداب التي أخذها العلماء من الآية ما يأتى :

1- أن المستأمن لا يؤذى ، بل يجب على المسلمين حمايته في نفسه وماله وعرضه ما دام في دار الإِسلام ، وقد حذر الإِسلام أتباعه من الغدر أشد تحذير ، ومن ذلك ما رواه البخارى والنسائى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برئ من القاتل وإن كان المقتول كافرا " .

2- يلحق بالمستجير الطالب لسماع كلام الله ؛ من كان طالبا لسماع الأدلة على كون الإِسلام حقا ، ومن كان طالبا للجواب على الشبهات التي أثارها اعداء الإِسلام ، لأن هؤلاء وأمثالهم بطرقون باب الفهم والمعرفة ويبحثون عن الحق فعلينا أن نحميهم ، وأن نبذل أقصى الجهود في تعليمهم وإرشادهم وإزالة الشبهات عنهم ، لعل الله أن يشرح صدورهم للاسلام بسبب هذا التعليم والإِرشاد .

قال ابن كثير : كان رسول الله - صلى اله عليه وسلم - يعطى الأمان لمن جاءه مسترشداً أو في رسالة ، كما جاءه يوم الحديبية جماعة من الرسل من قريش منهم عروة بن مسعود ، ومكرز بن فرأوا من إعظام المسلمين لرسولهم - صلى الله عليه وسلم - ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملك ولا قيصر ، فرجعوا إلى قومهم ، وأخبروهم بذلك ، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم .

3- على الإِمام أو من يقوم مقامه أن يعطى المستأمن المهلة التي يراها كافية لفهمه حقائق الاسلام وأن يبغله مأمنه بعد انقضاء حاجته ، وأن لا يمكنه من الإِقامة في دار الاسلام إلا بمقدار قضاء حاجته .

قال الامام الرازى : ليس في الآية ما يدل على أن مقدار هذه المهلة كم يكون ، ولعله لا يعرف مقدارها إلا بالعرف ، فمتى ظهر على المشرك علامات كونه طالبا للحق باحثا عن وجه الاستدلال أمهل وترك ومتى ظهر عليه كونه معرضا عن الحق دافعا للزمان بالأكاذيب لم يلتفت اليه .

4- أخذ العلماء من هذه الآية وجوب التفقه في الدين ، وعدم الاكتفاء بالظنون والتقليد للغير ، وقد وضح الإِمام الرازى هذا المعنى فقال :

دلت الآية على ان التقليد غير كاف في الدين ، وأنه لا بد من النظر والاستدلال ، وذلك لأنه لو كان التقليد كافيا ، لوجب أن لا يمهل هذا الكافر ، بل يقال له : إما أن تؤمن وإما أن نقتلك . فلما لم يقل له ذلك - بل أمهلوأزيل الخوف عنه ووجب تبليغه مأمنه - علم أن ذلك لأجل عدم كفاية التقليد في الدين ، وأنه لا بد من الحجة والدليل : فلذا أمهل ليحل له النظر .

5- تكلم العلماء عمن له حق إعطاء الأمان للمستأمن فقال القرطبى : " ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز ؛ لأنه النظر والمصلحة . نائب عن الجميع في جلب المصالح ودفع المضار . واختلفوا في أمان غير الخليقة ، فالحر يمضى أمانه عند كافة العلماء . وأما العبد فله الأمان في مشهور مذهب المالكية وبه قال الشافعى وأحمد .

وقال أبو حنيفة ؛ لا أمان له . والأول اصح لقوله - صلى الله عليه وسلم -

" المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم " .

قالوا : فلما قال " أدناهم " جاز أمان العبد . .

وقال بعض العلماء : هذه الآية كانت أصلا عند الفقهاء في إباحة تأمين المشرك ، وقد توسع الإِسلام في باب الأمان فقرر به عصمة المستأمن ، وأوجب على المسلمين حمايته ما دام في دار الإِسلام ، وجعل للمسلمين حق إعطاء ذلك الأمان ، ولم يشترط في ذلك إلا ما يضمن على المسلمين سلامتهم ، بأن لا تظهر على المستأمن مظاهر الركون إلى التجسس على المسلمين .

ولا ينسى الإِسلام - وهو يعطى هذا الحق للافراد - حق الإِمام المهيمن على شئون المسلمين ، بل جعل له بمقتضى هيمنته العامة ، وتقديره لوجوه المصلحة ، حق إبطال أى أمان لم يصادف محله ، أو لم يستوف شروطه ، كما له أن ينتزع ذلك الحق من الأفراد متى رأى المصلحة في ذلك .

والإِسلام يبيح بهذا الأمان التبادل التجارى والصناعى والثقافى ، وفى سائر الشئون ما لم يتصل شئ منها بضرر الدولة .

6- هذه الآية الكريمة تشهد بسمو تعاليم الاسلام وسماحتها وحرصها على هداية الناس الى الحق ، وعلى صيانة دمائهم وأموالهم وأعراضهم من العدوان عليها . . حتى ولو كان هؤلاء الناس من أعداء الإِسلام .

وقد بسط هذا المعنى بعض العلماء فقال ما ملخصه : إن هذه الآية تعنى أن الإِسلام حريص على كل قلب بشرى أن يهتدى وأن يثوب ، وأن المشركين يطلبون الجوار والأمان في دار الإِسلام يجب أن يعطوا الجوار والأمان ذلك أنه في هذه الحالة آمن حربهم وتجمعهم وتألبهم عليه ، فلا ضير إذن من إعطائهم فرصة سماع القرآن ومعرفة هذا الدين ، لعل قلوبهم أن تتفتح وتستجيب وحتى إذا لم تستجب فقد أوجل الله لهم على أهل دار الإِسلام أن يحرسوهم بعد إخراجهم حتى يصلوا إلى بدل يأمنون فيه على أنفسهم .

ولقد كانت قمة عالية تلك الإِجارة والأمان لهم في دار الاسلام . . ولكن قمة القمم هذه الحراسة للمشرك - عدو الإِسلام والمسلمين - حتى يبلغ مأمنه خارج حدود دار السلام .

إنه منهج الهداية لا منهج الابادة ، حتى وهو يتصدى لتأمين قاعدة الإِسلام .

إن هذا لدين إعلام لمن لا يعلمون ، وإجارة لمن يستجيرون ، حتى من أعدائه الذين شهروا عليه السيف وحاربوه وعاندوه . .

وبعد أن صرحت السورة الكريمة ببراءة الله ورسوله من عهود المشركين الخائنين ، وأمرت المؤمنين بإعطائهم مهلة يسيحون فيها في الأرض ، ويتدبرون خلالها أمرهم ، ثم بعد ذلك على المؤمنين أن يقتلوهم حيث وجدوهم ، وان يستعملوا معهم كل الوسائل المشروعة لإِذلالهم ، وأن يؤمنوا المشرك الذي يريد أن يسمع كلام الله ، وان يحافظوا عليه حتى يصل الى مكان استقراره . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِنْ أَحَدٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّىَ يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لاّ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه : وإن استأمنك يا محمد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحد ليسمع كلام الله منك ، وهو القرآن الذي أنزله الله عليه . فأجرُهْ يقول : فأمنه ، حتّى يَسمعَ كلامِ اللّهِ وتتلوه عليه . ثُمّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ يقول : ثم ردّه بعد سماعه كلام الله إن هو أبى أن يسلم ولم يتعظ لما تلوته عليه من كلام الله فيؤمن إلى مأمنه ، يقول : إلى حيث يأمن منك وممن في طاعتك حتى يلحق بداره وقومه من المشركين . ذلكَ بأنّهُمْ قَوُمٌ لا يَعْلَمُونَ يقول : تفعل ذلك بهم من إعطائك إياهم الأمان ، ليسمعوا القرآن ، وردّك إياهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم ، من أجل أنهم قوم جهلة لا يفقهون عن الله حجة ولا يعلمون ما لهم بالإيمان بالله لو آمنوا وما عليهم من الوزر والإثم بتركهم الإيمان بالله .

وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وَإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجاركَ : أي من هؤلاء الذين أمرتك بقتالهم ، فأجِرْهُ .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : فَأجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ أما كلام الله : فالقرآن .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَإنْ أحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجاركَ فَأجِرْهُ قال : إنسان يأتيك فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك فهو آمن حتى يأتيك فيسمع كلام الله ، وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم غازيا ، فلقي العدوّ ، وأخرج المسلمون رجلاً من المشركين وأشرعوا فيه الأسنة ، فقال الرجل : ارفعوا عني سلاحكم ، وأسمعوني كلام الله تعالى فقالوا : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وتخلع الأنداد وتتبرأ من اللات والعُزّى ؟ فقال : فإني أشهدكم أني قد فعلت .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ أبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ قال : إن لم يوافقه ما تقول عليه وتحدّثه ، فأبلغه . قال : وليس هذا بمنسوخ .

واختلف في حكم هذه الآية ، وهل هو منسوخ أو هو غير منسوخ ؟ فقال بعضهم : هو غير منسوخ ، وقد ذكرنا قول من قال ذلك .

وقال آخرون : هو منسوخ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن جويبر ، عن الضحاك : فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ نسختها : فإمّا مَنّا بَعْدُ وَإمّا فِدَاءً .

قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، مثله .

وقال آخرون : بل نسخ قوله : فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ قوله : فإمّا مَنّا بَعْدُ . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة : حَتّى إذَا أثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدّوا الوَثاقَ نسخها قوله : فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .

وقال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال : ليس ذلك بمنسوخ ، وقد دللنا على أن معنى النسخ هو نفي حكم قد كان ثبت بحكم آخر غيره ، ولم تصحّ حجة بوجوب حكم الله في المشركين بالقتل بكلّ حال ثم نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ولا على وجه المنّ عليهم . فإذا كان ذلك كذلك فكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم من أولّ حرب حاربهم ، وذلك من يوم بدر كان معلوما أن معنى الآية : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ، وخذوهم للقتل أو المن أو الفداء واحصروهم ، وإذا كان ذلك معناه صحّ ما قلنا في ذلك دون غيره .