الأولى - قوله تعالى : " وإن أحد من المشركين " أي من الذين أمرتك بقتالهم . " استجارك " أي سأل جوارك ، أي أمانك وذمامك ، فأعطه إياه ليسمع القرآن ، أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه . فإن قبل أمرا فحسن ، وإن أبى فرده إلى مأمنه . وهذا ما لا خلاف فيه . والله أعلم{[7853]} . قال مالك : إذا وجد الحربي في طريق بلاد المسلمين فقال : جئت أطلب الأمان . قال مالك : هذه أمور مشتبهة ، وأرى أن يرد إلى مأمنه . قال ابن القاسم : وكذلك الذي يوجد وقد نزل تاجرا بساحلنا فيقول : ظننت ألا تعرضوا لمن جاء تاجرا حتى يبيع . وظاهر الآية إنما هي فيمن يريد سماع القرآن والنظر في الإسلام ، فأما الإجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنظر فيما تعود عليهم به منفعته .
الثانية - ولا خلاف بين كافة العلماء أن أمان السلطان جائز ؛ لأنه مقدم للنظر والمصلحة ، نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار . واختلفوا في أمان غير الخليفة ، فالحر يمضي أمانه عند كافة العلماء . إلا أن ابن حبيب قال : ينظر الإمام فيه . وأما العبد فله الأمان في مشهور المذهب ، وبه قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق والأوزاعي والثوري وأبو ثور وداود ومحمد بن الحسن . وقال أبو حنيفة : لا أمان له ، وهو القول الثاني لعلمائنا . والأول أصح ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) . قالوا : فلما قال ( أدناهم ) جاز أمان العبد ، وكانت المرأة الحرة أحرى بذلك ، ولا اعتبار بعلة ( لا يسهم له ) . وقال عبدالملك بن الماجشون : لا يجوز أمان المرأة إلا أن يجيزه الإمام ، فشذ بقوله عن الجمهور . وأما الصبي فإذا أطاق القتال جاز أمانه ، لأنه من جملة المقاتلة ، ودخل في الفئة الحامية . وقد ذهب الضحاك والسدي إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله : " فاقتلوا المشركين " . وقال الحسن : هي محكمة سنة{[7854]} إلى يوم القيامة ، وقاله مجاهد . وقيل : هذه الآية إنما كان حكمها باقيا مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلا ، وليس بشيء . وقال سعيد بن جبير : جاء رجل من المشركين إلى علي بن أبي طالب فقال : إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء الأربعة الأشهر فيسمع كلام الله ويأتيه بحاجة قتل فقال علي بن أبي طالب : لا ، لأن الله تبارك وتعالى يقول : " وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله " . وهذا صحيح . والآية محكمة .
قوله تعالى : " وإن أحد " " أحد " مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده . وهذا حسن في " إن " وقبيح في أخواتها . ومذهب سيبويه في الفرق بين " إن " وأخواتها ، أنها لما كانت أم حروف الشرط خصت بهذا ، ولأنها لا تكون في غيره . وقال محمد بن يزيد : أما قوله - لأنها لا تكون في غيره - فغلط ، لأنها تكون بمعنى - ما - ومخففة من الثقيلة ولكنها مبهمة ، وليس كذا غيرها . وأنشد سيبويه :
لا تجزَعِي إن مُنْفِسًا أهلكتُه *** وإذا هلكت فعند ذلك فاجْزَعِي{[7855]}
الرابعة - قال العلماء في قوله تعالى : " حتى يسمع كلام الله " دليل على أن كلام الله عز وجل مسموع عند قراءة القارئ ، قاله الشيخ أبو الحسن والقاضي أبو بكر وأبو العباس القلانسي وابن مجاهد وأبو إسحاق الإسفراييني وغيرهم ؛ لقوله تعالى : " حتى يسمع كلام الله " فنص على أن كلامه مسموع عند قراءة القارئ لكلامه . ويدل عليه إجماع المسلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحة الكتاب أو سورة قالوا : سمعنا كلام الله . وفرقوا بين أن يقرأ كلام الله تعالى وبين أن يقرأ شعر امرئ القيس . وقد مضى في سورة " البقرة{[7856]} " معنى كلام الله تعالى ، وأنه ليس بحرف ولا صوت ، والحمد لله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.