الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

قوله تعالى : { وَإِنْ أَحَدٌ } : كقوله : { إِن امْرُؤٌ هَلَكَ } [ النساء : 176 ] في كونِه من باب الاشتغال/ عند الجمهور .

قوله : { حَتَّى يَسْمَعَ } " حتى " يجوز أن تكونَ هنا للغاية ، وأن تكونَ للتعليل ، وعلى كلا التقديرين يتعلَّقُ بقوله : " فَأَجِرْهُ " ، وهل يجوز أن تكونَ هذه المسألةُ من باب التنازع أم لا ؟ وفيه غموضٌ ، وذلك أنه يجوزُ من حيث المعنى أن تُعَلَّق " حتى " بقوله : " استجارك " أو بقوله : " فَأَجِرْهُ " إذ يجوز تقديرُه : وإن استجارك أحدٌ حتى يسمعَ كلام الله فَأَجِرْهُ حتى يسمع كلام الله . والجوابُ أنه لا يجوزُ عند الجمهور لأمرٍ لفظي من جهة الصناعة لا معنوي ، فإنَّا لو جعلناه من التنازع ، وأَعْمَلْنا الأول مثلاً لاحتاج الثاني إليه مضمراً على ما تقرر ، وحينئذٍ يلزم أنَّ " حتى " تجرُّ المضمر ، و " حتى " لا تجرُّه إلا في ضرورة شعر كقوله :

2453 فلا واللَّهِ لا يَلْقَى أُناسٌ *** فتى حَتَّاك يا ابنَ أبي يزيدِ

وأمَّا عند مَنْ يُجيز أن تجرَّ المضمر فلا يمتنع ذلك عنده ، ويكون من إعمال الثاني لحذفِه ، ويكون كقولك : " فرحت ومررت بزيد " أي : فرحت به ، ولو كان من إعمال الأول لم تَحْذِفْه من الثاني .

وقوله : { كَلاَمَ اللَّهِ } من باب إضافة الصفة لموصوفها لا من باب إضافةِ المخلوق للخالق . و " مَأْمَنَه " يجوز أن يكون مكاناً أي مكان أَمْنِه ، وأن يكونَ مصدراً أي : ثمَّ أَبْلِغْه أَمْنَه .