إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

{ وَإِنْ أَحَدٌ } شروعٌ في بيان حكم المتصدِّين لمبادي التوبة من سماع كلامِ الله تعالى والوقوفِ على شعائر الدين إثرَ بيانِ حُكمِ التائبين عن الكفر والمُصِرِّين عليه وهو مرتفعٌ بشرط مضمرٍ يفسِّره الظاهرُ لا بالابتداء لأن إنْ لا تدخل إلا على الفعل { منَ المشركين استجارك } بعد انقضاءِ الأجل المضروبِ أي سألك أن تُؤَمِّنه وتكونَ له جاراً { فَأَجِرْهُ } أي أمِّنه { حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله } ويتدبرَه ويطّلع على حقيقة ما يدعو إليه . والاقتصارُ على ذكر السماعِ لعدم الحاجةِ إلى شيء آخرَ في الفهم لكونهم من أهل اللسَنِ والفصاحةِ ، و( حتى ) سواءٌ كانت للغاية أو للتعليل متعلقةٌ بما بعدها لا بقوله تعالى : { استجارك } لأنه يؤدّي إلى إعمال حتى في المضمر وذلك مما لا يكاد يرتكب في غير ضرورةِ الشعر كما في قوله : [ الوافر ]

فلا والله لا يلفى أناس *** فتىً حتاك يا ابنَ أبي يزيدِ{[339]}

كذا قيل إلا أن تعلّق الإجارةِ بسماع كلامِ الله تعالى بأحد الوجهين يستلزمُ تعلقَ الاستجارةِ أيضاً بذلك أو بما في معناه من أمور الدينِ ، وما رُوي عن عليَ رضي الله عنه أنه أتاه رجلٌ من المشركين فقال : إن أراد الرجلُ منا أن يأتي محمداً بعد انقضاء هذا الأجلِ لسماع كلامِ الله تعالى أو لحاجة قتل ؟ قال : لا لأن الله تعالى يقول : { وَإِنْ أَحَدٌ من المشركين استجارك فَأَجِرْهُ } الخ فالمرادُ بما فيه من الحاجة هي الحاجةُ المتعلقةُ بالدين لا ما يعمها وغيرَها من الحاجات الدنيوية كما ينبىء عنه قوله : أن يأتي محمداً ، فإن من يأتيه عليه السلام إنما يأتيه للأمور المتعلقةِ بالدين { ثُمَّ أَبْلِغْهُ } بعد استماعِه له إن لم يؤمِنْ { مَأْمَنَهُ } أي مسكنَه الذي يأمَن فيه وهو دارُ قومِه { ذلك } يعنى الأمرَ بالإجارة وإبلاغِ المأمن { بِأَنَّهُمْ } بسبب أنهم { قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ } ما الإسلامُ وما حقيقتُه ، أو قومٌ جَهَلةٌ فلا بد من إعطاء الأمانِ حتى يفهموا الحقَّ ولا يبقى لهم معذرة أصلاً .


[339]:ويروي "زياد" في موضع "يزيد" . والبيت بلا نسبة في الجنى الداني ص 544، وجواهر الأدب ص 308، وخزانة الأدب 9/474، والدرر 4/111، ورصف المباني ص 185، وشرح ابن عقيل ص 355، والمقاصد النحوية 3/265، وهمع الهوامع 2/23.