معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَعۡلَمُونَ} (6)

وقوله : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مأمَنَهُ }

يقول : ردّه إلى موضعه ومأمنه .

وقوله : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ } في موضع جزم وإن فُرِق بين الجازم والمجزوم ب ( أحد ) . وذلك سهل في ( إِنْ ) خاصّة دون حروف الجزاء ؛ لأنها شرط وليست باسم ، ولها عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور في الكلام فلا تعمل ، فلم يحفِلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب . فأما المنصوب فمثل قولك : إنّ أخاك ضربتَ ظلمتَ . والمرفوع مثل قوله : { إِنِ امْرُؤٌ هَلَك لَيْسَ له وَلَدٌ } ولو حوّلت ( هلك ) إلى ( إنْ يهلك ) لجزمته ، وقال الشاعر :

فان أَنْتَ تفْعَلْ فللفاعلي *** ن أَنْتَ المجيزين تلك الغِمارا

ومن فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لم يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع ؛ تقول : إنْ عبدُ الله يَقُمْ يَقُمْ أبوه ، ولا يجوز أبوه يقم ، ولا أن تجعل مكان الأب منصوبا بجواب الجزاء . فخطأ أن تقول : إن تأتني زيدا تَضْرِبْ . وكان الكسائي يجيز تقدمة النصب في جواب الجزاء ، ولا يجوّز تقدمة المرفوع ، ويحتجّ بأن الفعل إذا كان للأول عاد في الفعل راجعُ ذكرِ الأول ، فلم يستقم إلغاء الأوّل . وأجازه في النصب ؛ لأن المنصوب لم يعد ذكره فيما نصبه ، فقال : كأن المنصوب لم يكن في الكلام . وليس ذلك كما قال ؛ لأن الجزاء له جواب بالفاء . فإن لم يستقبل بالفاء استقبل بجزم مثله ولم يُلْقَ باسم ، إلا أَنْ يضمر في ذلك الاسم الفاء . فإذا أضمرت الفاء ارتفع الجواب في منصوب الأسماء ومرفوعها لا غير . واحتجّ بقول الشاعر :

وللخيلِ أَيّامٌ فَمَنْ يَصْطَبِرْ لها *** ويَعْرِفْ لها أيامَها الْخَيْرَ تُعْقِب

فجعل ( الخير ) منصوبا ب ( تعقب ) . ( والخير ) في هذا الموضع نعت للأيام ؛ كأنه قال : ويعرف لها أيامها الصالحة تعقب . ولو أراد أن يجعل ( الخير ) منصوبا ب ( تعقب ) لرفع ( تُعْقب ) لأنه يريد : فالخير تعقبه .