معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

قوله تعالى : { إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } قال قتادة : لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها ، فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله وقال ابن جريج : معناه : لو شاء الله لأراهم أمراً من أمره ، لا يعمل أحد منهم بعده معصية . وقوله عز وجل : { خاضعين } ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ، وفيه أقاويل : أحدها : أراد أصحاب الأعناق ، فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم ، لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ، جعل الفعل أولاً للأعناق ، ثم جعل خاضعين للرجال . وقال الأخفش : رد الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه . وقال قوم : ذكر الصفة لمجاورتها المذكر ، وهو قوله هم على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر ، وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث . وقيل : أراد فظلوا خاضعين فعبر بالعنق عن جميع البدن ، كقوله : { ذلك بما قدمت يداك }- و{ ألزمناه طائره في عنقه } . وقال مجاهد : أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء ، أي : فظلت كبراؤهم خاضعين . وقيل : أراد بالأعناق الجماعات ، يقال : جاء القوم عنقاً عنقاً ، أي : جماعات وطوائف . وقيل :إنما قال خاضعين على وفاق رؤوس الآي ليكون على نسق واحد .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

{ إِنْ نَشَأْ نُنزلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً } .

أي : من آيات الاقتراح ، { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ } أي : أعناق المكذبين { لَهَا خَاضِعِينَ } ولكن لا حاجة إلى ذلك ، ولا مصلحة فيه ، فإنه إذ ذاك الوقت ، يكون الإيمان غير نافع ، وإنما الإيمان النافع ، الإيمان بالغيب ، كما قال تعالى : { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } الآية .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ} (4)

{ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } .

ومفعول المشيئة محذوف ، والمراد بالآية هنا المعجزة القاهرة التى تجعلهم لا يملكون انصرافا معها عن الإيمان ، والأعناق جمع عنق . وقد تطلق على وجوه الناس وزعمائهم تقول : جاءنى عنق من الناس : أى جماعة منهم أو من رؤسائهم والمقدمين فيهم .

والمعنى : لا تحزن يا محمد لعدم إيمان كفار مكة بك ، فإننا إن نشأ إيمانهم ، ننزل عليهم آية ملجئة لهم إلى الإيمان ، تجعلهم ينقادون له ، ويدخلون فيه دخولا ملزما لهم ، ولكنا لا نفعل ذلك ، لأن حكمتنا قد اقتضت أن يكون دخول الناس فى الإيمان عن طريق الاختيار والرغبة ، وليس عن طريق الإلجاء والقسر .

وصور - سبحانه - هذه الآية بتلك الصورة الحسية { فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } ، للإشعار بأن هذه بالآية لو أراد - سبحانه - إنزالها لجعلتهم يخضعون خضوعا تاما لها ، حتى لكأن أعناقهم على هيئة من الخضوع والذلة لا تملك معها الارتفاع أو الحركة .

قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : كيف صح مجىء خاضعين خبرا عن الأعناق ؟ قلت : أصل الكلام : فظلوا لها خاضعين . فأقحمت الأعناق لبيان موضع الخضوع ، وترك الكلام على أصله . كقوله : ذهبت أهل اليمامة ، كأن الأهل غير مذكور . أو لما وصفت بالخضوع الذى هو للعقلاء ، قيل : خاضعين . . . . وقيل أعناق الناس : رؤساؤهم ومقدموهم شبهوا بالأعناق كما قيل لهم : هم الرءوس والنواصى والصدور . . . وقيل : جماعات الناس . . " .