قوله : { إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ } . العامة على نون العظمة فيهما . وروي عن أبي عمرو بالياء فيهما ، أي : إِنْ يَشَأ الله يُنزِّل{[36842]} . و «إن » أصلها أن تدخل على المشكوك فيه{[36843]} أو المحقق المبهم زمانه ، والآية من هذا الثاني .
قوله : «فَظَلَّتْ » عطف على «نُنَزِّلْ » فهو في محل جزم{[36844]} . ويجوز أن يكون مستأنفاً غير معطوف على الجزاء{[36845]} . ويؤيد الأول قراءة طلحة : «فَتَظْلَل »{[36846]} بالمضارع مفكوكاً{[36847]} . قوله : «خَاضِعِينَ » . فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبر عن «أَعْنَاقُهُمْ »{[36848]} . واستُشكِل جمعه جمع سلامة ؛ لأنه مختص بالعقلاء . وأجيب عنه بأوجه :
أحدها : أن المراد بالأعناقِ : الرؤساء كما قيل : لهم وجوه وصدور{[36849]} ، قال :
3894 - فِي مَحْفِلٍ من نواصِي الخَيْلِ مَشْهُودِ{[36850]} *** . . .
الثاني : أنه على حذف مضاف ، أي : فظل أصحاب الأعناق ، ثم حذف وبقي الخبر على ما كان عليه قبل حذف المُخْبَرِ عنه مراعاة للمحذوف{[36851]} ، وتقدم ذلك قريباً عند قراءة : { وَقَمَراً مُنِيراً } [ الفرقان : 61 ] .
الثالث : أنه لما أضيف إلى العقلاء اكتسب منهم هذا الحكم{[36852]} ، كما يكتسب التأنيث بالإضافة لمؤنث في قوله :
3895 - كَمَا شَرَقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ{[36853]} *** . . .
الرابع : أن «الأعناق » جمع «عُنُقٍ » من الناس ، وهم الجماعة{[36854]} ، فليس المراد الجارحة البتة ، ومنه قوله :
3896 - أَنَّ العِرَاقَ وأَهْلَهُ *** عُنُقٌ إلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا{[36855]}
وهذا قريب من معنى الأول ، إلا أن هذا القائل يطلق «الأعناق » على جماعة الناس مطلقاً ، رؤساء كانوا أو غيرهم .
الخامس : قال الزمخشري : أصل الكلام : فظلوا لها خاضعين ، فأقحمت «الأعناق » لبيان موضع الخضوع ، وترك الكلام على أصله كقولهم : ذهَبَتْ أهل [ اليمامة ، كأن الأهل غير مذكور{[36856]} . قال شهاب الدين : وفي التنظير بقوله : ذهبت أهل اليمامة ]{[36857]} نظر ، لأن ( أهل ) ليس مقحماً البتة ، لأنه المقصود بالحكم ، وأما التأنيث فلاكتسابه التأنيث{[36858]} ( بالإضافة ){[36859]} .
السادس : أنها عوملت معاملة العقلاء لمَّا أُسْنِدَ إليهم ما يكون فِعْل العقلاء{[36860]} ، كقوله : «سَاجِدِينَ »{[36861]} و «طَائِعِين »{[36862]} في يوسف وفصلت{[36863]} .
وقيل : إنما قال : «خاضِعِينَ » لموافقة رؤوس الآي .
والثاني : أنه منصوب على الحال من الضمير في «أَعْنَاقُهُم » قال الكسائي{[36864]} وضعفه أبو البقاء ، قال : لأن «خاضِعِين » يكون جارياً على غير فاعل «ظَلَّتْ » فيفتقر إلى إبراز ضمير الفاعل ، فكان يجب أن يكون : خاضعين هم{[36865]} .
قال شهاب الدين : ولم يجر «خاضِعِين » في اللفظ والمعنى إلا على من هُوَ له ، وهو الضمير في «أَعْنَاقُهُمْ » ، والمسألة التي قالها : هي أن يجري الوصف على غير من هو له في اللفظ دون المعنى ، فكيف يلزم ما ألزمه به ، على أنه لو كان كذلك لم يلزم ما قاله ، لأن{[36866]} الكسائي والكوفيين{[36867]} لا يوجبون إبراز الضمير في هذه المسألة{[36868]} إذا أمن اللبس ، فهو ( لا ){[36869]} يلتزم ما ألزمه به ، ولو ضعفه بمجيء الحال من المضاف إليه لكان أقرب ، على أنه لا يضعف ؛ لأن المضاف جزء من المضاف إليه كقوله : { مَا فِي صُدُورِهِم مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً }{[36870]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.