وقوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السَّماء آيَةً4 } ثم قال { فظلَّت } ولم يقل ( فتَظللّ ) كما قَالَ { ننزل } وذلك صواب : أن تعطف على مَجزوم الجَزاء بِفَعَلَ ؛ لأنّ الجزاء يصلح في موضع فعَل يفعل ، وفي موضع يفعَل فعل ، ألا ترى أنك تقول : إن زرتني زرتكَ وإن تزرْني أزركَ والمعنَى وَاحدٌ . فلذلك صَلح قوله { فظلّت } مَردودةً على يفعَل ، وكذلك قوله { تباركَ الذي إن شاء جَعَل لكَ خَيرا من ذلكَ جَنات } ثم قال { ويَجْعَلْ لك قصُوراً } فرَدَّ يفعَل على وهو بمنزلة ردّه ( فظَلَّت ) على ( نُنَزِّل ) وكذلك جَواب الجزاء يُلقَى يَفعْل بفَعَل ، وفَعَل بيفعل كقولك : ( إنْ قمت أقم ، وإِن تقم قمت ) . وَأَحْسَنُ الكلام أن تجعَل جَواب يفعل بمثلها ، وفَعَل بمثلها ؛ كَقولك : إن تَتْجُرْ تَرْبَحْ ، أَحْسَنُ مِن أن تقول : إن تَتْجُرْ ربِحتَ . وكذلك إن تَجَرْت ربحتَ أحسنُ مِن أن تقول : إن تَجَرتَ تربَحْ . وهما جَائزَان . قال الله { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وزينَتَها نُوَفِّ إليهم } فقال { نُوَفّ } وهي جواب لَكانَ . وقال الشاعر :
إن يَسمَعُوا سُبَّة طارُوا بها فَرَحا *** منى وما يَسَمَعُوا من صَالحٍ دَفَنُوا
فَرَدَّ الجَوَابَ بَفعَل وقبله يفعَلُ قال الفراء : ( إن يسمعوا سُبَّة على مثال غيَّة ) .
وقوله : { فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خَاضِعِينَ } والفعْل للأعناق فيقول القائل : كيف لم يقل : خاضِعَةً : وفي ذلك وُجُوه كلّها صَوَاب . أوّلها أن مُجاهِداً جَعَلَ الأعناق : الرجَال الكُبَراء . فكانت الأعناق ها هُنا بمنزلة قولِكَ : ظلَّت رءوسهم رُءُوسُ القوم وكبراؤهم لها خَاضِعِينَ للآية . والوجه الآخر أن تجعَلَ الأعناق الطوائفِ ، كما تقول : رأيتُ الناسَ إلى فُلانٍ عُنقاً وَاحِدَةً فتجعَل الأعناق الطّوائف العُصَبَ وَأَحبُّ إليّ مِنْ هذين الوجهين في العَربيّةِ أن الأعناق إذا خَضَعتْ فأربابها خاضِعُونَ فجعلْتَ الفعل أوّلا للأعناق ثم جَعَلت ( خَاضِعِينَ ) للرجال كما قال الشاعر :
على قَبِضة مَوْجُوءة ظهرُ كَفّه *** فلا المرْءُ مُسْتَحْىٍ ولا هو طَاعِمُ
فأنَّث فعل الظهر لأن الكف تَجمع الظهر وتكفي منه : كما أنكَ تكتفي بِأن تقولَ : خَضَعتْ لك رَقبتي ؛ ألا ترى أن العرب تقول : كلُّ ذي عَيْنٍ ناظِرٌ وناظِرَةٌ إليكَ ؛ لأن قولكَ : نظرَتْ إليك عيني ونظرتُ إليكَ بمَعْنى وَاحِدٍ فتُرك ( كُلّ ) وَلهُ الفِعْل ورُدّ إلى العيْن . فلو قلت : فظلَّت أعْناقهم لها خاضعة كانَ صَوَاباً . وقد قال الكسائي : هذا بمنزلة قول الشاعر :
ترى أرْبَاقَهُم متقلِّدِيها *** إذا صَدِئ الحدِيدُ على الكُماةِ
ولا يشبه هذا ذلك لأن الفعل في المتقلّدينَ قد عاد بذكر الأرباق فصَلح ذَلكَ لعودة الذكر . ومثل هَذَا قولك : ما زالت يدُك باسطَها لأن الفعل منكَ على اليد واقعٌ فَلاَ بُدَّ من عَوْدةِ ذكر الذي في أول الكلام . ولو كانت فظلت أعناقهم لها خَاضعيها كان هذا البيت حُجَّة له . فإذا أوقعت الفعل على الاسم ثم أضفته فلا تكتف بفعل المضاف إلا أنْ يوافق فعلَ الأول ؛ كقولك ما زالت يدُ عبد الله مُنفقاً ومنفقةً فهذا من الموافِقِ 133 ب لأنك تقولُ يدُه مِنفقةٌ وهو منفقٌ ولا يَجوز كانت يده بَاسطاً لأنه باسطٌ لليد واليد مبسوطة ، فالفعل مختِلف ، لا يكفي فعل ذَا من ذا ، فإن أعدت ذكر اليد صَلح فقلت : ما زالت يده باسطها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.