قوله تعالى : { قالوا } يعني : السحرة { لن نؤثرك } لن نختارك { على ما جاءنا من البينات } يعني : الدلالات ، قال مقاتل : يعني اليد البيضاء والعصا . وقيل : كان استدلالهم أنهم لو كان هذا سحراً فأين حبالنا وعصينا ؟ وقيل : من البينات يعني : من اليقين والعلم . حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال : إنهم لما ألقوا سجداً ما رفعوا رؤوسهم حتى رأوا الجنة والنار ، ورأوا ثواب أهلها ، ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا : لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات { والذي فطرنا } يعني : لن نؤثرك على الله الذي فطرنا وقيل : هو قسم { فاقض ما أنت قاض } يعني : فاصنع ما أنت صانع { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } يعني : أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب .
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ لَن نّؤْثِرَكَ عَلَىَ مَا جَآءَنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ إِنّمَا تَقْضِي هََذِهِ الْحَيَاةَ الدّنْيَآ * إِنّآ آمَنّا بِرَبّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السّحْرِ وَاللّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىَ } .
يقول تعالى ذكره : قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعّدهم به : لَنْ نُؤْثِرَكَ فنتبعك ونكذّب من أجلك موسى عَلى ما جاءَنا مِنَ البّيّناتِ يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى . وَالّذِي فَطَرَنا يقول : قالوا : لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات ، وعلى الذي فطرنا . ويعني بقوله : فَطَرنا : خلقنا ، فالذي من قوله : وَالّذِي فَطَرنا خفض على قوله : ما جاءَنا ، وقد يحتمل أن يكون قوله : وَالّذِي فَطَرنا خفضا على القسم ، فيكون معنى الكلام : لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والله . وقوله : " فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ " يقول : فاصنع ما أنت صانع ، واعمل بنا ما بدا لك إنما تَقْضِي هَذِهِ الحَياةَ الدّنيا يقول : إنما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى . ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : حُدثت عن وهب بن منبه " لَنْ نُؤْثرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيّناتِ وَالّذِي فَطَرَنا " أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة . " فاقْضِ ما أنْتَ قاضٍ " : أي اصنع ما بدا لك . " إنّمَا تَقْضِي هَذِهِ الحَيَاةَ الدّنيا " أي ليس لك سلطان إلا فيها ، ثم لا سلطان لك بعده .
{ قالوا لن نؤثرك } لن نختارك . { على ما جاءنا } موسى به ، ويجوز أن يكون الضمير فيه لما . { من البينات } المعجزات الواضحات . { الذي فطرنا } عطف على ما جاءنا أو قسم { فاقض ما أنت قاض } ما أنت قاضيه أي صانعه أو حاكم به . { إنما تقضي هذه الحياة الدنيا } إنما تصنع ما تهواه ، أو تحكم ما تراه في هذه الدنيا { والآخرة خير وأبقى } فهو كالتعليل لما قبله والتمهيد لما بعده . وقرئ { تقضي هذه الحياة الدنيا } كقولك : صيم يوم الجمعة .
أظهروا استخفافهم بوعيده وبتعذيبه ، إذ أصبحوا أهل إيمان ويقين ، وكذلك شأن المؤمنين بالرسل إذا أشرقت عليهم أنوار الرسالة فسرعان ما يكون انقلابهم عن جهالة الكفر وقساوته إلى حكمة الإيمان وثباته . ولنا في عمر بن الخطّاب ونحوه ممن آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم مَثَلُ صدق .
والإيثار : التفضيل . وتقدّم في قوله تعالى : { لقد آثرك الله علينا } في سورة يوسف ( 91 ) . والتفضيل بين فرعون وما جاءهم من البيّنات مقتض حذف مضاف يناسب المقابلة بالبيّنات ، أي لن نؤثر طاعتك أو دينك على ما جاءنا من البيّنات الدالة على وجوب طاعة الله تعالى ، وبذلك يلتئم عطف { والذي فَطَرنا } ، أي لا نؤثرك في الربوبية على الذي فطرنا .
وجيء بالموصول للإيماء إلى التّعليل ، لأنّ الفاطر هو المستحق بالإيثار .
وأخر { الذي فطرنا } عن { ما جَاءَنَا مِنَ البينات } لأنّ البيّنات دليل على أنّ الذي خلقهم أراد منهم الإيمان بموسى ونبذ عبادة غير الله ، ولأنّ فيه تعريضاً بدعوة فرعون للإيمان بالله .
وصيغة الأمر في قوله { فَاقْضِ مَا أنتَ قَاضٍ } مستعملة في التسوية ، لأن { ما أنت قاض } مَا صْدَقُه ما توعدهم به من تقطيع الأيدي والأرجل والصّلببِ ، أي سواء علينا ذلك بعضه أو كلّه أو عدم وقوعه ، فلا نطلب منك خلاصاً منه جزاء طاعتك فافعل ما أنت فاعل ( والقضاء هنا التنفيذ والإنجاز ) فإنّ عذابك لا يتجاوز هذه الحياة ونحن نرجو من ربنا الجزاء الخالد .
وانتصب { هذه الحياة } على النيابة عن المفعول فيه ، لأنّ المراد بالحياة مُدّتُها .
والقصر المستفاد من ( إنما ) قصر موصوف على صفة ، أي إنك مقصور على القضاء في هذه الحياة الدنيا لا يتجاوزه إلى القضاء في الآخرة ، فهو قصر حقيقيّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.