قوله تعالى : { ولكل وجهة } . أي لأهل كل ملة قبلة والجهة اسم للمتوجه إليه .
قوله تعالى : { هو موليها } . أي مستقبلها ومقبل عليها يقال : وليته ووليت إليه : إذا أقبلت إليه ، ووليت عنه إذا أدبرت عنه . قال مجاهد : هو موليها وجهه ، وقال الأخفش ، هو كناية عن الله عز وجل يعني الله مولي الأمم إلى قبلتهم وقرأ ابن عامر : مولاها ، أي : المستقبل مصروف إليها .
قوله تعالى : { فاستبقوا الخيرات } . أي إلى الخيرات ، يريد : بادروا بالطاعات ، والمراد المبادرة إلى القبول .
قوله تعالى : { أينما تكونوا } . أنتم وأهل الكتاب .
قوله تعالى : { يأت بكم الله جميعاً } . يوم القيامة فيجزيكم بأعمالكم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
يعني بقوله تعالى ذكره : ولكلّ ولكل أهل ملة ، فحذف أهل الملة واكتفى بدلالة الكلام عليه . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ قال : لكل صاحب ملة .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها فلليهود وجهة هو موليها وللنصارى وجهة هو موليها ، وهداكم الله عزّ وجل أنتم أيتها الأمة للقبلة التي هي قبلته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء قوله : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها ؟ قال : لكل أهل دين اليهود والنصارى . قال ابن جريج : قال مجاهد : لكل صاحب ملة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مَوَلّيها قال لليهود قبلة ، وللنصارى قبلة ، ولكم قبلة . يريد المسلمين .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَلِكُلَ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها يعني بذلك أهل الأديان ، يقول : لكلّ قبلة يرضونها ، ووجهُ الله تبارك وتعالى اسمه حيث توجه المؤمنون وذلك أن الله تعالى ذكره قال : فأيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّه إنّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلِكُلَ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها يقول : لكل قوم قبلة قد وُلّوها .
فتأويل أهل هذه المقالة في هذه الآية : ولكل أهل ملة قبلة هو مستقبلها ومولّ وجهه إليها . وقال آخرون بما :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها قال : هي صلاتهم إلى بيت المقدس وصلاتهم إلى الكعبة .
وتأويل قائل هذه المقالة : ولكل ناحية وجهك إليها ربك يا محمد قبلة الله عز وجل موليها عباده . وأما الوجهة فإنها مصدر مثل القِعْدة والمِشْية من التوجه ، وتأويلها : متوجّه يتوجه إليها بوجهه في صلاته . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وجهةٌ قبلة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ قال : وجه .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : وجهة : قبلة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، قال : قلت لمنصور : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها قال : نحن نقرؤها : ولكلّ جعلنا قبلة يرضونها .
وأما قوله : هُوَ مُوَلّيها فإنه يعني : هو مولّ وجهه إليها مستقبلها . كما :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هُوَ مُوَلّيها قال : هو مستقبلها .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
ومعنى التولية هَهنا الإقبال ، كما يقول القائل لغيره : انصرف إليّ ، بمعنى أقبل إليّ والانصراف المستعمل إنما هو الانصراف عن الشيء ، ثم يقال : انصرف إلى الشيء بمعنى أقبل إليه منصرفا عن غيره . وكذلك يقال : وليت عنه : إذا أدبرت عنه ، ثم يقال : وليت إليه بمعنى أقبلت إليه موليا عن غيره . والفعل ، أعني التولية في قوله : هُوَ مُوَلّيها ل«كلّ » و «هو » التي مع «موليها » هو «الكل » وُحّدت للفظ «الكل » .
فمعنى الكلام إذا : ولكل أهل ملة وجهة ، الكلّ منهم مولّوها وجوههم .
وقد رُوي عن ابن عباس وغيره أنهم قرأوا : «هو مُوَلاّها » بمعنى أنه موّجه نحوها ، ويكون الكلام حينئذ غير مسمى فاعله ، ولو سمي فاعله لكان الكلام : ولكل ذي ملة وجهة الله موليه إياها ، بمعنى موجهه إليها .
وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ ذلك : وَلِكُلّ وِجْهَةٍ بترك التنوين والإضافة . وذلك لحن ، ولا تجوز القراءة به ، لأن ذلك إذا قرىء كذلك كان الخبر غير تامّ ، وكان كلاما لا معنى له ، وذلك غير جائز أن يكون من الله جل ثناؤه .
والصواب عندنا من القراءة في ذلك : وَلِكُلّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلّيها بمعنى : ولكلّ وجهة وقبلة ، ذلك الكلّ مولّ وجهه نحوها ، لإجماع الحجة من القراء على قراءة ذلك كذلك وتصويبها إياها ، وشذوذ من خالف ذلك إلى غيره . وما جاء به النقل مستفيضا فحجة ، وما انفرد به من كان جائزا عليه السهو والخطأ فغير جائز الاعتراض به على الحجة .
القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ .
يعني تعالى ذكره بقوله : فَاسْتَبِقُوا فبادروا وسارعوا ، من «الاستباق » ، وهو المبادرة والإسراع . كما :
حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ يعني فسارعوا في الخيرات . وإنما يعني بقوله : فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ أي قد بينت لكم أيها المؤمنون الحق وهديتكم للقبلة التي ضلت عنها اليهود والنصارى وسائر أهل الملل غيركم ، فبادروا بالأعمال الصالحة شكرا لربكم ، وتزوّدوا في دنياكم لأخراكم ، فإني قد بينت لكم سبيل النجاة فلا عذر لكم في التفريط ، وحافظوا على قبلتكم ، ولا تضيعوها كما ضيعها الأمم قبلكم فتضلوا كما ضلت كالذي :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : فَاسْتَبِقُوا الخَيْراتِ يقول : لا تغلبن على قبلتكم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ قال : الأعمال الصالحة .
القول في تأويل قوله تعالى : أيْنَما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا إنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
ومعنى قوله : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا في أيّ مكان وبقعة تهلكون فيه يأت بكم الله جميعا يوم القيامة ، إنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . كما :
حدثت عن عمار بن الحسن ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا يقول : أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا يوم القيامة .
حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعا يعني يوم القيامة . وإنما حضّ الله عزّ وجلّ المؤمنين بهذه الآية على طاعته والتزوّد في الدنيا للاَخرة ، فقال جل ثناؤه لهم : استبقوا أيها المؤمنون إلى العمل بطاعة ربكم ، ولزوم ما هداكم له من قبلة إبراهيم خليله وشرائع دينه ، فإن الله تعالى ذكره يأتي بكم وبمن خالف قبلتكم ودينكم وشريعتكم جميعا يوم القيامة من حيث كنتم من بقاع الأرض ، حتى يوفى المحسن منكم جزاءه بإحسانه ، والمسيء عقابه بإساءته ، أو يتفضل فيصفح .
وأما قوله : إنّ اللّهَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فإنه تعالى ذكره يعني أن الله تعالى على جمعكم بعد مماتكم من قبوركم من حيث كنتم وعلى غير ذلك مما يشاء قدير ، فبادروا خروج أنفسكم بالصالحات من الأعمال قبل مماتكم ليوم بعثكم وحشركم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.