فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلِكُلّٖ وِجۡهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَاۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ أَيۡنَ مَا تَكُونُواْ يَأۡتِ بِكُمُ ٱللَّهُ جَمِيعًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (148)

قوله : { وَلِكُلّ } بحذف المضاف إليه لدلالة التنوين عليه : أي : لكل أهل دين وجهة ، والوجهة فعلة من المواجهة ، وفي معناها الجهة ، والوجه ، والمراد القبلة : أي : أنهم لا يتبعون قبلتك ، وأنت لا تتبع قبلتهم { وَلِكُلّ وِجْهَةٌ } إما بحق ، وإما بباطل ، والضمير في قوله : { هُوَ مُوَلّيهَا } راجع إلى لفظ كل . والهاء في قوله : { مُوَلّيهَا } هي : المفعول الأوّل ، والمفعول الثاني محذوف أي : موليها وجهه . والمعنى : أن لكل صاحب ملة قبلة صاحب القبلة موليها وجهه ، أو لكل منكم يا أمة محمد قبلة يصلي إليها من شرق ، أو غرب ، أو جنوب ، أو شمال إذا كان الخطاب للمسلمين ، ويحتمل أن يكون الضمير لله سبحانه ، وإن لم يجر له ذكر ، إذ هو معلوم أن الله فاعل ذلك ، والمعنى : أن لكل صاحب ملة قبلة الله موليها إياه . وحكى الطبري أن قوماً قرءوا : «ولكل وجهة » بالإضافة ، ونسب هذه القراءة أبو عمرو الداني إلى ابن عباس . قال في الكشاف : والمعنى : وكل وجهة الله موليها ، فزيدت اللام لتقدم المفعول كقولك لزيد ضربت ، ولزيد أبوه ضاربه . انتهى . وقرأ ابن عباس ، وابن عامر : «مولاها » على ما لم يسمّ فاعله . قال الزجاج : والضمير على هذه القراءة لواحد : أي : ولكل واحد من الناس قبلة الواحد مولاها : أي : مصروف إليها . وقوله : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } أي : إلى الخيرات على الحذف ، والإيصال : أي : بادروا إلى ما أمركم الله من استقبال البيت الحرام كما يفيده السياق ، وإن كان ظاهره الأمر بالاستباق إلى كل ما يصدق عليه أنه خير كما يفيده العموم المستفاد من تعريف الخيرات ، والمراد من الاستباق إلى الاستقبال : الاستباق إلى الصلاة في أول وقتها . ومعنى قوله : { أَيْنَمَا تَكُونُوا يَاتِ بِكُمُ الله } أي : في أيّ : جهة من الجهات المختلفة تكونوا يأت بكم الله للجزاء يوم القيامة ، أو يجمعكم جميعاً ، ويجعل صلاتكم في الجهات المختلفة كأنها إلى جهة واحدة .

/خ152