وقوله : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ . . . }
يعنى قبلة { هُوَ مُوَلِّيها } : مستقبِلها ، الفعل لِكلٍّ ، يريد : مولٍّ وجهَه إليها . والتولية في هذا الموضع إقبال ، وفي { يولُّوكُم الأدبار } ، { ثُمَّ وَلَّيتم مُدْبِرين } انصراف . وهو كقولك في الكلام : انصرِف إلىّ ، أي أقبِل إلىّ ، وانصرف إلى أهلك أي اذهب إلى أهلك . وقد قرأ ابن عباس وغيره " هو مُوَلاَّها " ، وكذلك قرأ أبو جعفر محمد بن على ، فجعَل الفعل واقعا عليه . والمعنى واحد . والله أعلم .
وقوله : { أَيْنَ ما تَكُونُواْ . . . }
إذا رأيت حروف الاستفهام قد وُصِلت ب ( ما ) ، مثل قوله : أينما ، ومتى ما ، وأي ما ، وحيث ما ، وكيف ما ، و { أيّاًما تدعوا } كانت جزاء ولم تكن استفهاما . فإذا لم توصَل ب ( ما ) كان الأغلبَ عليها الاستفهامُ ، وجاز فيها الجزاء .
فإذا كانت جزاء جزمْتَ الفعلين : الفعلَ الذي مع أينما وأخواتها ، وجوابَه ؛ كقوله { أَيْنَ ما تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ } فإن أدخلت الفاء في الجواب رفعت الجواب ؛ فقلت في مثله من الكلام : أينما تكن فآتيك . كذلك قول الله - تبارك وتعالى - { ومن كفر فَأُمتِّعه } .
فإذا كانت استفهاما رفعْتَ الفعل الذي يلي أين وكيف ، ثم تجزم الفعل الثاني ؛ ليكون جوابا للاستفهام ، بمعنى الجزاء ؛ كما قال الله تبارك وتعالى : { هل أَدُلُّكُمْ على تجارةٍ تُنْجِيِكم مِن عَذابٍ أليم } ثم أجاب الاستفهام بالجزم ؛ فقال - تبارك وتعالى - { يغفرْ لَكُمْ ذنوبَكم } .
فإذا أدخلت في جواب الاستفهام فاء نصبت كما قال الله - تبارك وتعالى - { لولا أًخَّرْتنِي إلى أَجلٍ قرِيبٍ فأًصَّدّقَ } فنصب .
فإذا جئت إلى العُطُوف التي تكون في الجزاء وقد أجبته بالفاء كان لك في العطف ثلاثة أوجه ؛ إن شئت رفعت العطف ؛ مثل قولك : إن تأتني فإني أهل ذاك ، وتُؤْجَرُ وتحمدُ ، وهو وجه الكلام . وإن شئت جزمت ، وتجعله كالمردود على موضع الفاء . والرفعُ على ما بعد الفاء . وقد قرأت القرّاء " من يضلِلِ الله فلا هادِى له ويَذَرْهُم " . رَفْع وجَزْم . وكذلك { إِنْ تُبْدُوا الصّدقاتِ فَنِعِما هي وإنْ تُخْفُوها وتُؤْتُوها الفقراء فَهْوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ويُكَفِّرُْ } جَزْم ورفع . ولو نصبْتَ على ما تنصب عليه عُطُوف الجزاء إذا استغنى لأصبت ؛ كما قال الشاعر :
فإن يَهْلِكِ النعمانُ تُعْرَ مِطَّيةٌ *** وتُخْبَأَ في جوفِ العِيابِ قُطُوعُها
وإن جزمت عطفا بعد ما نصبت تردّه على الأوّل ، كان صوابا ؛ كما قال بعد هذا البيت :
وتَنْحِطْ حَصَانٌ آخِرَ اللّيلِ نَحْطةً *** تَقَصَّمُ مِنها - أَو تَكادُ - ضُلوعها
وهو كثير في الشعر والكلام . وأكثر ما يكون النصب في العُطُوف إذا لم تكن في جواب الجزاء الفاء ، فإذا كانت الفاء فهو الرفع والجزم .
وإذا أجبت الاستفهام بالفاء فنصبت فانصِبِ العطوف ، وإن جزمتها فصواب . من ذلك قوله في المنافقين { لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّق وأََكُنْ " رددت " وأَكُنْ " على موضع الفاء ؛ لأنها في محلّ جزمٍ ؛ إذ كان الفعل إذا وقع موقعها بغير الفاء جُزم . والنصب على أن تردّه على ما بعدها ، فتقول : " وأكونَ " وهي في قراءة عبد الله بن مسعود " وأكون " بالواو ، وقد قرأ بها بعض القُرّاء . قال : وأرى ذلك صوابا ؛ لأن الواو ربما حذفت من الكتَاب وهي تراد ؛ لكثرة ما تُنْقَص وتُزاد في الكلام ؛ ألا ترى أنهم يكتبون " الرحمن " وسُلَيمن بطرح الألف والقراءةُ بإثباتها ؛ فلهذا جازت . وقد أُسقطت الواو من قوله { سَنَدْعُ الزَّبانِية } ومن قوله { وَيَدْعُ الإِنْسانُ بالشّرِّ } الآية ، والقراءة على نيَّة إثبات الواو . وأسقطوا من الأَيكةِ ألِفين فكتبوها في موضع ليكة ، وهي في موضع آخر الأَيْكة ، والقُرَّاء على التمام ، فهذا شاهد على جواز " وأكون من الصَّالِحينَ " .
فأَبلُونِي بَلِيَّتَكُم لَعلى *** أُصلُكُمْ وأَسْتَدْرِجْ نَوَيّا
فجزم ( وأستدرجْ ) . فإن شئت رددته إلى موضع الفاء المضمرة في لعلّى ، وإن شئت جعلته في موضع رفع فسكّنْت الجيم لكثرة توالى الحركات . وقد قرأ بعض القراء " لا يَحْزُنْهُمُ الفَزَعُ الأَكْبَر " بالجزم وهم ينوون الرفع ، وقرءوا " أَنُلْزِمْكُموها وأَنْتُمْ لها كارِهون " والرفع أحبُّ إلىَّ من الجزم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.