قوله تعالى : { وليست التوبة للذين يعملون السيئات } . يعني : المعاصي .
قوله تعالى : { حتى إذا حضر أحدهم الموت } . ووقع في النزع .
قوله تعالى : { قال إني تبت الآن } . وهي حالة السوق ، حين يساق بروحه ، لا يقبل من كافر إيمان ، ولا من عاص توبة . قال الله تعالى : { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } [ غافر :85 ] ولذلك لم ينفع الإيمان فرعون حين أدركه الغرق .
قوله تعالى : { ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا } . أي : هيأنا وأعددنا ، { لهم عذاباً أليماً } .
{ وَلَيْسَتِ التّوْبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ حَتّىَ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنّي تُبْتُ الاَنَ وَلاَ الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ أُوْلََئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : وليست التوبة للذين يعملون السيئات من أهل الإصرار على معاصي الله ، حتى إذا حضر أحدهم الموت ، يقول : إذا حشرج أحدهم بنفسه ، وعاين ملائكة ربه قد أقبلوا إليه لقبض روحه قال : وقد غلب على نفسه ، وحيل بينه وبين فهمه بشغله بكرب حشرجته وغرغرته : إني تبت الاَن ، يقول فليس لهذا عند الله تبارك وتعالى توبة ، لأنه قال ما قال في غير حال توبة . كما :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن يعلى بن نعمان ، قال : أخبرني من سمع ابن عمر يقول : التوبة مبسوطة ما لم يَسُقْ . ثم قرأ ابن عمر : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ } ثم قال : وهل الحضور إلا السّوْق .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ } قال : إذا تبين الموت فيه لم يقبل الله له توبة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ } فليس لهذا عند الله توبة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت إبراهيم بن ميمون ، يحدّث عن رجل من بني الحارث ، قال : حدثنا رجل منا ، عن عبد الله بن عمرو ، أنه قال : «مَنْ تَابَ قَبْلَ مَوْتِهِ بعَامٍ تِيبَ عَلَيْهِ » ، حتى ذكر شهرا ، حتى ذكر ساعة ، حتى ذكر فُواقا ، قال : فقال رجل : كيف يكون هذا والله تعالى يقول : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ } ؟ فقال عبد الله : أنا أحدثك ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن إبراهيم ، قال : كان يقال : التوبة مبسوطة ما لم يؤخذ بكَظَمِه .
واختلف أهل التأويل فيمن عُني بقوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ } فقال بعضهم : عُني به أهل النفاق . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { إنّمَا التّوْبَةُ على اللّهِ للّذِينَ يَعْمَلُونَ السّوء بِجَهالَةٍ ثُمّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ } قال : نزلت الأولى في المؤمنين ، ونزلت الوسطى في المنافقين ، يعني : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } والأخرى في الكفار ، يعني : { وَلا الّذِينَ يَموتونَ وَهمْ كفّارٌ } .
وقال آخرون : بل عني بذلك أهل الإسلام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان ، قال : بلغنا في هذه الاَية : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ } قال : هم المسلمون ، ألا ترى أنه قال : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ } ؟
وقال آخرون : بل هذه الاَية كانت نزلت في أهل الإيمان ، غير أنها نسخت . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { وَلَيْسَتِ التّوبَةُ لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ حتى إذَا حَضَرَ أحَدُهمُ المَوْتُ قالَ إنّي تبْتُ الاَنَ وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفّارٌ } فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك : { إنّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ } فحرّم الله تعالى المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ما ذكره الثوري أنه بلغه أنه في الإسلام ، وذلك أن المنافقين كفار ، فلو كان معنيا به أهل النفاق لم يكن لقوله : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كفّارٌ } معنى مفهوم ، لأنهم إن كانوا هم والذين قبلهم في معنى واحد من أن جميعهم كفار ، فلا وجه لتفريق أحد منهم في المعنى الذي من أجله بطل أن تكون توبة واحد مقبولة . وفي تفرقة الله جلّ ثناؤه بين أسمائهم وصفاتهم بأن سمى أحد الصنفين كافرا ، ووصف الصنف الاَخر بأنهم أهل سيئات ، ولم يسمهم كفارا ما دلّ على افتراق معانيهم ، وفي صحة كون ذلك كذلك صحة ما قلنا ، وفساد ما خالفه .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كفّارٌ أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابا ألِيما } .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولا التوبة للذين يموتون وهم كفار فموضع «الذين » خفض ، لأنه معطوف على قوله : { لِلّذِينَ يَعْمَلونَ السّيّئاتِ } . وقوله : { أُولَئِكَ أعْتَدْنا لَهُمْ عَذَابا ألِيما } يقول : هؤلاء الذين يموتون وهم كفار ، أعتدنا لهم عذابا أليما ، لأنهم أبعدهم من التوبة كونهم على الكفر . كما :
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا محمد بن فضيل ، عن أبي النضر ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : { وَلا الّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كفّارٌ } أولئك أبعد من التوبة .
واختلف أهل العربية في معنى : { أعْتَدْنا لَهُمْ } فقال بعض البصريين : معنى : { أعْتَدْنا } : أفعلنا من العتاد ، قال : ومعناها : أعددنا . وقال بعض الكوفيين : أعددنا وأعتدنا معناهما واحد ، فمعنى قوله : { أعْتَدْنا لَهُمْ } أعددنا لهم { عَذَابا ألِيما } يقول : مؤلما موجعا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.