معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وتقول لهم الملائكة :{ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا } قرأ الأعمش وحمزة : { أنظرونا } بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا . وقيل : انظرونا . وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني ، يعني انتظرني . { نقتبس من نوركم } نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم ، وهو قوله عز وجل : { وهو خادعهم }( النساء- 141 ) ، فبينا هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحاً وظلمة فأطفأت نور المنافقين ، فذلك قوله : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } ( التحريم- 8 ) ، مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ، ولا يعطون النور ، فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : أنظرونا نقتبس من نوركم ، { قيل ارجعوا وراءكم } قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، { فالتمسوا نورا } فاطلبوا هناك لأنفسكم نوراً فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : { فضرب بينهم بسور } أي سور ، " والباء " صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، { له } ، أي لذلك السور ، { باب باطنه فيه الرحمة } أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، { وظاهره } أي خارج ذلك السور ، { من قبله } ، أي من قبل ذلك الظاهر ، { العذاب } وهو النار .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

13-14

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلّذِينَ آمَنُواْ انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُواْ نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مّعَكُمْ قَالُواْ بَلَىَ وَلََكِنّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغرّتْكُمُ الأمَانِيّ حَتّىَ جَآءَ أَمْرُ اللّهِ وَغَرّكُم بِاللّهِ الْغَرُورُ } .

يقول تعالى ذكره : هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات ، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا بالله ورسله : انظرونا .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : انْظُرُونا فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة انْظُرُونا موصولة بمعنى : انتظرونا ، وقرأته عامة قرّاء الكوفة «أنْظُرُونا » مقطوعة الألف من أنظرت بمعنى : أخرونا ، وذكر الفرّاء أن العرب تقول : أنظرني وهم يريدون : انتظرني قليلاً وأنشد في ذلك بيت عمرو بن كلثوم :

أبا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ عَلَيْنا *** وأنْظِرْنا نُخَبّرْكَ اليعقِينَا

قال : فمعنى هذا : انتظرنا قليلاً نخبرك ، لأنه ليس ها هنا تأخير ، إنما هو استماع كقولك للرجل : اسمع مني حتى أخبرك .

والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا ، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى ، فيقال : أنظرونا ، بفتح الألف وهمزها .

وقوله : نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ يقول : نستصبح من نوركم ، والقبس : الشعلة .

وقوله : قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتَمِسُوا نُورا يقول جلّ ثناؤه : فيجابون بأن يقال لهم : ارجعوا من حيث جئتم ، واطلبوا لأنفسكم هنالك نورا ، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ . . . إلى قوله : وَبِئْسَ المَصِيرُ قال ابن عباس : بينما الناس في ظلمة ، إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور دليلاً من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا ، تبعوهم ، فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذٍ : انظرونا نقتبس من نوركم ، فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون : ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة ، فالتمسوا هنالك النور .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ لِلّذِينَ آمَنُوا . . . الآية ، كان ابن عباس يقول : بينما الناس في ظلمة ، ثم ذكر نحوه .

وقوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ يقول تعالى ذكره : فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسُور ، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : بِسُورٍ لَهُ بَابٌ قال : كالحجاب في الأعراف .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ السور : حائط بين الجنة والنار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ قال : هذا السور الذي قال الله وَبَيْنَهُما حِجابٌ .

وقد قيل : إن ذلك السور ببيت المقدس عند وادي جهنم . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا الحسن بن بلال ، قال : حدثنا حماد ، قال : أخبرنا أبو سنان ، قال : كنت مع عليّ بن عبد الله بن عباس ، عند وادي جهنم ، فحدّث عن أبيه قال : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ فقال : هذا موضع السور عند وادي جهنم .

حدثني إبراهيم بن عطية بن رُدَيح بن عطية ، قال : ثني عمي محمد بن رُدَيح بن عطية ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن أبي العوّام ، عن عُبادة بن الصامت أنه كان يقول : بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ، قال : هذا باب الرحمة .

حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عطية بن قيس ، عن أبي العوّام مؤذّنِ بيت المقدس ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إن السور الذي ذكره الله في القرآن : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ هو السور الشرقيّ ، باطنه المسجد ، وظاهره وادي جهنم .

حدثني محمد بن عوف ، قال : حدثنا أبو المُغيرة ، قال : حدثنا صفوان ، قال : حدثنا شريج أن كعبا كان يقول في الباب الذي في بيت المقدس : إنه الباب الذي قال الله : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ .

وقوله : لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ يقول تعالى ذكره : لذلك السور باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب : يعني النار . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ : أي النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ قال : الجنة وما فيها .