الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وقوله تعالى : { يَوْمَ يَقُولُ المنافقون } قيل : { يَوْمَ } هو بدل من الأول ، وقيل : العامل فيه «اذكر » ، قال ( ع ) : ويظهر لي أَنَّ العاملَ فيه قوله تعالى : { ذلك هُوَ الفوز العظيم } ويجيء معنى الفوز أَفْخَمَ ؛ كأَنَّهُ يقول : إنَّ المؤمنين يفوزون بالرحمة يومَ يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأَنَّ ظهورَ المرء يومَ خمول عَدُوِّه ومُضَادِّهِ أَبْدَعُ وأَفْخَمُ ، وقول المنافقين هذه المقالةَ المحكية ، هو عند انطفاء أنوارهم ، كما ذكرنا قبل ، وقولهم : ( انْظُرُونَا ) معناه : انتظرونا ، وقرأ حمزة وحده : ( أنظرونا ) بقطع الألف وكسر الظاء ومعناه أَخِّرُونا ؛ ومنه : { فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ } ومعنى قولهم أَخِّرونا ، أي : أخِّروا مشيَكم لنا ؛ حَتَّى نلتحق فنقتبسَ من نوركم ، واقتبس الرجل : أخذ من نور غيره قَبَساً ، قال الفخر : القَبَسُ : الشعلة من النار والسراج ، والمنافقون طَمِعُوا في شيء من أنوار المؤمنين ، وهذا منهم جهل ؛ لأَنَّ تلك الأنوار نتائج الأعمال الصالحة في الدنيا ، وهم لم يقدموها ، قال الحسن : يُعْطَى يومَ القيامة كُلُّ أحد نوراً على قَدْرِ عمله ، ثم يؤخذ من حجر جهنم ومِمَّا فيها من الكلاليب والحسك ويُلْقَى على الطريق ، ثم تمضي زمرة من المؤمنينَ ، وُجُوهُهُم كالقمر ليلةَ البدر ، ثم تمضي زمرة أُخرى كأضواء كوكب في السماء ، ثم على ذلك ، ثم تغشاهم ظلمة تُطْفئ نورَ المنافقين ، فهنالك يقول المنافقون للذين آمنوا : { انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } ، انتهى .

وقوله تعالى : { قِيلَ ارجعوا وَرَاءَكُمْ } يحتمل أنْ يكون من قول المؤمنين لهم ، ويحتمل أنْ يكون من قول الملائكة ، والقول لهم : { فالتمسوا نُوراً } : هو على معنى التوبيخ لهم ، أي : إنَّكم لا تجدونه ، ثم أعلم تعالى أَنَّهُ يضرب بينهم في هذه الحال بسورٍ حاجز ، فيبقى المنافقون في ظُلْمَةٍ وعذاب .

وقوله تعالى : { بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة } أي : جهة المؤمنين { وظاهره } : جهة المنافقين ، والظاهر هنا : البادي ؛ ومنه قول الكُتَّابِ : من ظاهر مدينة كذا ، وعبارة الثعلبيِّ : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } : وهو حاجز بين الجنة والنار ، قال أبو أمامة الباهليُّ : فيرجعون إلى المكان الذي قُسِّمَ فيه النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ، وقد ضُرِبَ بينهم بسور ، قال قتادة : حائط بين الجنة والنار ، له باب { بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة } ، يعني : الجنة ، { وظاهره مِن قِبَلِهِ العذاب } يعني النار ، انتهى . قال ( ص ) : قال أبو البقاء : الباء في { بِسُورٍ } زائدة ، وقيل : ليست بزائدة ، قال أبو حيان : والضمير في { بَاطِنُهُ } عائدٌ على الباب ، وهو الأظهر لأَنَّهُ الأقرب ، وقيل : على سور ، أبو البقاء : والجملة صفة لباب أو لسور ، انتهى .