فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

{ يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات } { يوم } بدل من { يوم } الأوّل ، ويجوز أن يكون العامل فيه : { الفوز العظيم } ، ويجوز أن يكون منصوباً بفعل مقدّر : أي اذكر { لِلَّذِينَ ءامَنُوا } اللام للتبليغ كنظائرها . قرأ الجمهور { انْظُرُونَا } أمراً بوصل الهمزة وضم الظاء من النظر بمعنى الانتظار : أي انتظرونا ، يقولون ذلك لما رأوا المؤمنين يسرع بهم إلى الجنة . وقرأ الأعمش وحمزة ويحيى بن وثاب بقطع الهمزة وكسر الظاء من الإنظار : أي أمهلونا وأخبرونا ، يقال : أنظرته واستنظرته : أي أمهلته واستمهلته . قال الفراء : تقول العرب أنظرني : أي انتظرني ، وأنشد قول عمرو بن كلثوم :

أبا هند فلا تعجل علينا *** وأنظرنا نخبرك اليقينا

وقيل : معنى انظرونا : انظروا إلينا ، لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنورهم { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي نستضيء منه ، والقبس : الشعلة من النار والسراج ، فلما قالوا ذلك { قِيلَ ارجعوا وَرَاءكُمْ } أي قال لهم المؤمنون أو الملائكة زجراً لهم وتهكماً بهم : أي ارجعوا وراءكم إلى الموضع الذي أخذنا منه النور { فالتمسوا نُوراً } أي اطلبوا هنالك نوراً لأنفسكم ، فإنه من هنالك يقتبس ، وقيل : المعنى : ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بما التمسناه به من الإيمان والأعمال الصالحة ، وقيل : أرادوا بالنور ما وراءهم من الظلمة تهكماً بهم : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } السور : هو الحاجز بين الشيئين ، والمراد به هنا الحاجز بين الجنة والنار ، أو بين أهل الجنة وأهل النار .

قال الكسائي : والباء في { بسور } زائدة . ثم وصف سبحانه السور المذكور فقال : { لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } أي باطن ذلك السور ، وهو الجانب الذي يلي أهل الجنة فيه الرّحمة : وهي الجنة { وظاهره } وهو الجانب الذي يلي أهل النار { مِن قِبَلِهِ العذاب } أي من جهته عذاب جهنم ، وقيل : إن المؤمنين يسبقونهم فيدخلون الجنة ، والمنافقون يحصلون في العذاب وبينهم السور ، وقيل : إن الرّحمة التي في باطنه : نور المؤمنين ، والعذاب الذي في ظاهره : ظلمة المنافقين .

/خ15