التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

{ يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم } يوم بدل من يوم ترى أو متعلق بالفوز العظيم أو بمحذوف تقديره اذكر ، ومعنى الآية أن كل مؤمن مظهر للإيمان يعطى يوم القيامة نورا فيبقى نور المؤمنين وينطفئ نور المنافقين فيقول المنافقون للمؤمنين : انظرونا نقتبس من نوركم أي : نأخذ منه ونستضيء به ومعنى { انظرونا } انتظرونا وذلك لأن المؤمنين يسرعون إلى الجنة كالبرق الخاطف والمنافقون ليسوا كذلك ويحتمل أن يكون من النظر أي : انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فاستضاؤا بنورهم ولكن يضعف هذا لأن نظر إذا كان بمعنى النظر بالعين يتعدى بإلى وقرئ أنظرونا بهمزة قطع ومعناه أخرونا أي : أمهلونا في مشيكم حتى نلحقكم .

{ قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا } يحتمل أن يكون هذا من قول المؤمنين أو قول الملائكة ومعناه الطرد للمنافقين والتهكم بهم لأنهم قد علموا أن ليس وراءهم نور ، ووراءكم ظرف العامل فيه ارجعوا وقيل : إنه لا موضع له من الإعراب وأنه كما قال ارجعوا ومعنى هذا الرجوع ارجعوا إلى الموقف فالتمسوا فيه النور أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا النور بتحصيل الإيمان وارجعوا خائبين وتنحوا عنا فالتمسوا نورا آخر فلا سبيل لكم إلى هذا النور .

{ فضرب بينهم بسور له باب } أي : ضرب بين المؤمنين والمنافقين بسور يفصل بينهم وفي ذلك السور باب لأهل الجنة يدخلون منه وقيل : إن هذا السور هو الأعراف وهو سور بين الجنة والنار وقيل : هو الجدار الشرقي من بيت المقدس وهذا بعيد .

{ باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب } باطنه هو جهة المؤمنين وظاهره هو جهة المنافقين وهي خارجة كقوله ظاهر المدينة أي : خارجها والضمير في باطنه وظاهره يحتمل أن يكون للسور أو للباب والأول أظهر .