غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

1

قوله { يوم يقول } بدل من قوله { يوم ترى } ومنصوب ب " أذكر " مقدراً . قال جمع من العلماء : الناس كلهم يوم القيامة في الظلمات ثم إنه تعالى يعطي المؤمنين هذه الأنوار والمنافقون يطلبونها منهم قائلين { انظرونا } لأنهم إذا نظروا إليهم والنور قدامهم استضاؤا بتلألؤ تلك الأنوار . قال الفارسي : حذف الجار وأوصل الفعل وأنشد أبو الحسن :

ظاهرات الجمال والحسن ينظرن *** كما ينظر الأراك الظباء

والمعنى ينظرن إلى الأراك فإن كانت هذه الحالة عند الموقف فالمراد انظروا إلينا ، وإن كانت هذه الحالة عند سير المؤمنين إلى الجنة احتمل أن يكون النظر بمعنى الانتظار لأنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على الركاب وهؤلاء مشاة في القيود والسلاسل . ومن قرأ { انظرونا } أي أمهلونا جعل استبطاءهم في المضي إلى أن يلحقوا بهم إمهالاً لهم . قال الحسن : يعطى يوم القيامة كل أحد نوراً على قدر عمله . ثم إنه يؤخذ من جمر جهنم وما فيه من الكلاليب والحسك وتلقى على الطريق فتمضي زمرة من المؤمنين وجوههم كالقمر ليلة البدر ، ثم تمضي زمرة أخرى كأضواء الكواكب في السماء . ثم على ذلك ثم على ذلك ، ثم تغشاهم الظلمة فينطفئ نور المنافقين فهناك يقول المنافقون للمؤمنين انظرونا { نقتبس من نوركم } والاقتباس أخذ القبس أي الشعلة من النار { قيل ارجعوا وراءكم } أي إلى الموقف حيث أعطينا هذا النور فاطلبوا نوراً وهو تهكم بهم أو إلى الدنيا { فالتمسوا نوراً } بتحصيل سببه وهو الإيمان والعمل الصالح أو اكتساب المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة كأنها خدعة خدع بها المنافقون كقوله { يخادعون الله وهو خادعهم } [ البقرة :9 ] وعلى هذا فالسور هو امتناع العود إلى الدنيا وعلى الأول قالوا : إنهم يرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم فيجدون السور مضروباً بينهم وبين المؤمنين وهو حائط الجنة أو هو الأعراف { باطنه } أي باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة { فيه الرحمة وظاهره } وهو ما ظهر لأهل النار { من قبله } أي من جهته { العذاب } قال أبو مسلم : المراد من قول المؤمنين { ارجعوا } منع المنافقين عن الاستضاءة كقول الرجل لمن يريد القرب منه " وراءك أوسع لك " والمراد أنه لا سبيل لهم إلى هذا النور ، والمراد من السور منعهم من رؤية المؤمنين قال الأخفش : الباء في قوله { بسور } صلة وفائدته التوكيد .

/خ29