ولما شرح تعالى حال المؤمنين في موقف القيامة أتبع ذلك بشرح حال المنافقين بقوله : { يوم يقول المنافقون والمنافقات } وهم المظهرون الإيمان المبطنون الكفر .
تنبيه : يوم بدل من يوم ترى أو منصوب بأذكر { للذين آمنوا } أي : ظاهراً وباطناً { انظرونا } أي : انتظرونا لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف على ركائب تزف بهم وهؤلاء مشاة ، أو انظروا إلينا لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم والنور بين أيديهم فيستضيئون به ، وقرأ حمزة : بقطع الهمزة في الوصل وكسر الظاء والباقون بوصل الهمزة ورفع الظاء ، وأما الوقف على آمنوا والابتداء بانظرونا فحمزة على حاله كما يقرأ في الوصل ، والباقون بضم همزة الوصل في الابتداء والظاء على حالها من الضم { نقتبس } أي : نستضيء { من نوركم } أي : هذا الذي نراه لكم ولا يلحقنا منه شيء كما كنا في الدنيا نرى إيمانكم بما نرى من ظواهركم ولا نتعلق من ذلك بشيء ، { جزاء وفاقاً } [ النبأ : 26 ] وذلك لأنّ الله تعالى يضيء للمؤمنين نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعة لهم وهو قوله تعالى : { وهو خادعهم } [ النساء : 142 ] فبينما هم يمشون إذ بعث الله ريحاً وظلمة فأطفأت نور المنافقين فذلك قوله تعالى : { يوم لا يخزى الله النبي والذين آمنوا معه } [ التحريم : 8 ] الآية مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين والقبس الشعلة من النار أو السراج ، قال ابن عباس وأبو إمامة : يغشى الناس يوم القيامة ظلمة ؛ قال الماوردي : أظنها بعد فصل القضاء ثم يعطون نوراً يمشون فيه ؛ وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : { انظرونا نقتبس من نوركم } قيل لهم جواباً لسؤالهم ؛ قال ابن عباس يقول لهم المؤمنون : أي : قول ردّ وتوبيخ وتهكم وتنديم { ارجعوا وراءكم } أي : ارجعوا إلى الموقف حيث أعطينا النور { فالتمسوا نوراً } هناك فمن ثم يقتبس أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه وهو الإيمان أو ارجعوا خائبين وتنحوا عنا والتمسوا نوراً آخر فلا سبيل لكم إلى هذا النور ، وقد علموا أن لا نور وراءهم وإنما هو تخييب وإقناط لهم ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، وقرأ هشام والكسائي : بضم القاف والباقون بكسرها .
ولما كان التقدير فرجعوا أو فأقاموا في الظلمة سبب عنه وعقب قوله تعالى : { فضرب بينهم } أي : بين المؤمنين والمنافقين { بسور } أي : حائط حائل بين شق الجنة وشق النار { له } أي : لذلك السور { باب } موكل به حجاب لا يفتحون إلا لمن أذن له الله تعالى من المؤمنين لما يهديهم إليه من نورهم الذي بين أيديهم بشفاعة أو نحوها { باطنه } أي : ذلك السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة من جهة الذين آمنوا جزاء لإيمانهم الذي هو غيب { فيه الرحمة } وهي ما لهم من الكرامة لأنه يلي الجنة التي هي ساترة تبطن من فيها بأشجارها وبأستارها كما كانت بواطنهم ملآنة رحمة { وظاهره } أي : ما ظهر لأهل النار { من قبله } أي : من عنده ومن جهته { العذاب } وهو الظلمة والنار لأنه يليها لاقتصار أهلها على الظواهر من غير أن يكون لهم نفوذ إلى باطن ، وروي عن عبد الله بن عمر أنّ السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه المسجد وظاهره من قبله العذاب وادي جهنم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.