معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

قوله تعالى : { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله } ، قال الفراء : معناه : وما ينبغي لمثل هذا القرآن أن يفترى من دون الله ، كقوله تعالى : { وما كان لنبي أن يغل } [ آل عمران-161 ] . وقيل : { أن } بمعنى اللام ، أي : وما كان هذا القرآن ليفترى من دون الله .

قوله تعالى : { ولكن تصديق الذي بين يديه } ، أي : بين يدي القرآن من التوراة والإنجيل . وقيل : تصديق الذي بين يدي القرآن من القيامة والبعث ، { وتفصيل الكتاب } ، تبين ما في الكتاب من الحلال والحرام والفرائض والأحكام ، { لا ريب فيه من رب العالمين } .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

وبعد أن ساقت السورة الكريمة ألوانا من البراهين الدالة على وحدانية الله - تعالى - ، وعلى صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيما يبلغه عن ربه ، وعلى أن هذا القرآن من عند الله تعالى ، عادت السورة الكريمة إلى الحديث عن القرآن الكريم ، فتحدت أعداءه أن يأتوا بسورة مثله ، ووصفتهم بالجهالة وسفاهة الرأي ، وصورت أحوالهم ومواقفهم من دعوة الحق تصويرا بليغا . استمع إلى السورة الكريمة وهى تتحدث عن كل ذلك فتقول :

{ وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن . . . }

قال الإِمام ابن كثير " هذا بيان لإِعجاز القرآن ، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله ؛ لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة ، لا يكون إلا من عند الله - تعالى - الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ولا في أقواله ، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ، ولهذا قال - تعالى - : { وَمَا كَانَ هذا القرآن أَن يفترى مِن دُونِ الله } .

والنفي هنا للشأن الذي هو أبلغ في النفى ، وأعمق في الدلالة على أن هذا القرآن من عند الله ، من نفى الشيء في ذاته مباشرة .

أى : وليس من شأن هذا القرآن المعجز ، أن يخترعه أو يختلفه أحد من الإِنس أو الجن أو غيرهما ؛ لأن ما اشتمل عليه من إعجاز وبلاغه وتشريعات حكيمة ، وآداب قويمة ، وهدايات جامعة . . . يشهد بأنه من كلام خالق القوى والقدر .

وقوله : { ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الكتاب } بيان لكمال هداية القرآن الكريم ، وهيمنته على الكتب السماوية السابقة .

والمراد بالذي بين يديه : الكتب السابقة على القرآن كالتوراة والإِنجيل والزبور .

وقوله { بَيْنَ يَدَيْهِ } فيه نوع مجاز ؛ لأن ما بين يدى الشيء يكون أمامه ، فوصف - سبحانه - ما مضى من الكتب بأنها بين يدى القرآن لشدة ظهورها واشتهارها ، ومعنى تصديق القرآن للكتب السابقة : تأييده لما اشتملت عليه من دعوة إلى وحدانية الله - تعالى - ، ومن أمر باتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند ظهوره .

وأل في { الكتاب } للجنس ، فالمراد به جنس الكتب السماوية التي أنزلها - سبحانه - على بعض أنبيائه .

والمعنى : ليس من شأن هذا الكتاب في إعجازه وهدايته أن يكون من عند غير الله ، لأن غيره - سبحانه - لا يقدر على ذلك ، ولكن من شأنه أن يكون مؤيداً للكتب السماوية السابقة فيما دعت إليه من إخلاص العبودية لله - تعالى - ومن اتباع لرسله ، وأن يكون مفصلا وموضحا لما اشتملت عليه هذه الكتب من تشريعات وآداب وأحكام .

وقوله { تصديق } منصوب على أنه معطوف على خبير كان ، أو على أنه خبر لكان المقدرة أى : ولكن كان تصديق .

وقوله { لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين } بيان لمصدره .

أى : هذا الكتاب لا ريب ولا شك في كونه منزلا على رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - من الله - تعالى - رب العالمين .

وفصلت جملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } عما قبلها لأنها مؤكدة له ، ومقررة لمضمونه .

ونفى - سبحانه - عن القرآن الريب على سبيل الاستغراق : مع وقوع الريب فيه من المشركين ، حيث وصفوه بأنه أساطير الأولين ، لأنه لروعة بيانه ، وسطوع حجته ، ووضوح دلائله ، لا يرتاب ذو عقل متدبر في كونه وحيا سماوياً ، ومصدر هداية وإصلاح فجملة { لاَ رَيْبَ فِيهِ } تنفي الريب في القرآن عمن شأنهم أن يتدبروه ، ويقبلوا على النظر فيه بروية ومن ارتاب فيه فلأنه لم يقبل عليه بأذن واعية ، أو بصيرة نافذة أو قلب سليم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

هذا نفي قول من قال من قريش إن محمداً يفتري القرآن وينسبه إلى الله تعالى ، وعبر عن ذلك بهذه الألفاظ التي تتضمن تشنيع قولهم وإعظام الأمر كما قال تعالى : { وما كان لنبي أن يغل }{[6108]} وكما قال حكاية عن عيسى عليه السلام { ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق }{[6109]} ونحو هذا مما يعطي المعنى والقرائن والبراهين استحالته ، و { يفترى } معناه : يختلق وينشأ ، وكأن المرء يفريه من حديثه أي يقطعه ويسمه سمة ، فهو مشتق من فريت إذا قطعت لإصلاح ، و { تصديق } نصب على المصدر والعامل فيه فعل مضمر وقال الزجّاج : هو خبر «كان » مضمرة ، والتقدير المتقدم للشيء ، وقالت فرقة في هذه الآية : إن الذي بين يديه هي أشراط الساعة وما يأتي من الأمور .

قال القاضي أبو محمد : وهذا خطأ ، والأمر بالعكس كتاب الله تعالى بين يدي تلك ، أما أن الزجّاج تحفظ فقال : الضمير يعود على الأشراط ، والتقدير ولكن تصديق الذي بين يديه القرآن .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أيضاً قلق ، وقيام البرهان على قريش حينئذ إنما كان في أن يصدق القرآن ما في التوراة والإنجيل مع أن الآتي بالقرآن ممن يقطعون أنه لم يطالع تلك الكتب ولا هي في بلده ولا في قومه ، و { تفصيل الكتاب } هو تبيينه ، و { لا ريب فيه } يريد هو في نفسه على هذه الحالة وإن ارتاب مبطل فذلك لا يلتفت إليه .


[6108]:- من الآية (161) من سورة (آل عمران).
[6109]:- من الآية (116) من سورة (المائدة).