تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (37)

وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ) قال بعضهم : هو صلة قوله : ( قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ )[ يونس : 15 ] فيقول : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ) كقوله ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ )[ يونس : 15 ] .

وقال بعضهم : إن كفار قريش قالوا : إن محمدا افترى هذا القرآن من عند نفسه ، وتقوله من نفسه ، فقال ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ) أن يضاف إلى غيره ، أو يختلق ( وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) أي يصدق هذا القرآن الكتب التي كانت من قبل . ولو كان محمد هو الذي افتراه ، واختلقه من عند نفسه ، لكان خرج هو وسائر الكتب المتقدمة مختلفة ؛ إذ لم يعرف محمد سائر الكتب المتقدمة ؛ إذ كانت بغير لسانه ، ولم يكن له اختلاف إلى من يعرفها ليتعلم . ثم خرج هو ، أعني القرآن ، مصدقا وموافقا للكتب . دل أنه من عند الله جاء كقوله : ( وما كنت تتلوا من قبله من كتب ولا تخطه بيمينك ) الآية[ العنكبوت : 48 ] .

وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ) [ يخرج على وجهين :

أحدهما : ما كان هذا القرآن بالذي يحتمل الافتراء من دون الله ][ من م ، ساقطة من الأصل ] لخروجه عن طوق البشر ووسعهم ؛ فذلك بالذي يحيل كونه مفترى بجوهره .

والثاني : لما أودع فيه الحكمة والصدق يدل على كونه من عند الله ؛ إذ كلام غيره يحتمل السفه والكذب ، ويحتمل الاختلاق .

[ وقوله تعالى ][ في الأصل وم ] : ( وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ ) قيل : فيه بيان الكتب التي نزلت قبله وتمامها[ في الأصل وم : وتمامه ] . إن هذا ، وإن كان في اللفظ مختلف فهو في الحكمة والصدق ومبين موفق للأول . وقيل : ( وتفصيل الكتاب ) أي تفصيل ما كتب لهم ، وما عليهم . وأن يقال : إلى الله تفصيل الكتاب ليس إلى غيره ( لا ريب فيه ) أنه من عند رب العالمين ، أو يقال : مفصَّل في اللوح المحفوظ .