معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

قوله تعالى : { وجعلنا ابن مريم وأمه آيةً } دلالة على قدرتنا ، ولم يقل آيتين ، قيل : معناه شأنهما آية . وقيل : ، معناه جعلنا كل واحد منهما آية ، كقوله تعالى : { كلتا الجنتين آتت أكلها } { وآويناهما إلى ربوة } الربوة المكان المرتفع من الأرض ، واختلفت الأقوال فيها ، فقال عبد الله بن سلام : هي دمشق ، وهو قول سعيد بن المسيب ومقاتل ، وقال الضحاك : غوطة دمشق . وقال أبو هريرة : هي الرملة . وقال عطاء عن ابن عباس : هي بيت المقدس ، وهو قول قتادة و كعب . وقال كعب : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً . وقال ابن زيد : هي مصر . وقال السدي : أرض فلسطين . { ذات قرار } أي : مستوية منبسطة واسعة يستقر عليها ساكنوها . { ومعين } فالمعين الماء الجاري الظاهر الذي تراه العيون ، مفعول من عانه يعينه إذا أدركه البصر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

ثم ساق - سبحانه - ما يدل على كمال قدرته ، حيث أوجد عيسى من غير أب وجعل أمه مريم تلده من غير أن يمسها بشر . فقال - تعالى - { وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً . . . } .

أى : وجعلنا نبينا عيسى - عليه السلام - ، كما جعلنا أمه مريم ، آية واضحة وحجة عظيمة ، فى الدلالة على قدرتنا النافذة التى لا يعجزها شىء .

قال أبو حيان : " قوله : { وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } أى : جعلنا قصتهما ، وهى آية عظمى بمجموعها ، وهى آيات مع التفصيل ، ويحتمل أن يكون حذف من الأول " آية " لدلالة الثانى ، أى : وجعلنا ابن مريم آية ، وأمة آية " .

وقوله - تعالى - { وَآوَيْنَاهُمَآ إلى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ } بيان لجانب مما أنعم به سبحانه - على عيسى وأمه .

والربوة : المكان المرتفع من الأرض . واصلها من قولهم : ربا الشىء يربو ، إذا ازداد وارتفع ، ومنه الربا لأنه زيادة أخذت على أصل المال .

ومعين ؛ اسم مفعول من عانه إذا أدركه وأبصره بعينه ، فالميم زائدة ، وأصله معيون كمبيوع ثم دخله الإعلال . والكلام على حذف مضاف . أى : وماء معين .

أى : ومن مظاهر رعايتنا وإحساننا إلى عيسى وأمه أننا آويناهما وأسكناهما ، وأنزلناهما فى جهة مرتفعة من الأرض ، وهذه الجهة ذات قرار ، أى : ذات استقرار لاستوائها وصلاحيتها للسكن لما فيها من الزروع والثمار ، وهى فى الوقت ذاته ينساب الماء الظاهر للعيون فى ربوعها .

قالوا : والمراد بهذه الربوة : بيت المقدس بفلسطين ، أو دمشق ، أو مصر .

والمقصود من الآية الكريمة : الإشارة إلى إيواء الله - تعالى - لهما ، فى مكان طيب ، ينضر فيه الزرع ، وتطيب فيه الثمار ، ويسيل فيه الماء ويجدان خلال عيشهما به الأمان والراحة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

{ وجعلنا ابن مريم وأمه آية } بولادتها إياه من غير مسيس فالآية أمر واحد مضاف إليهما ، أو { جعلنا ابن مريم } آية بأن تكلم في المهد وظهرت منه معجزات أخر { وأمه } آية بأن ولدت من غير مسيس فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها . { وآويناهم إلى ربوة } أرض بيت المقدس فإنها مرتفعة أو دمشق أو رملة فلسطين أو مصر فإن قراها على الربى ، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء وقرئ " رباوة " بالضم والكسر . " ذات قرار " مستقر من الأرض منبسطة وقيل ذات ثمار وزروع فإن ساكنيها يستقرون فيها لأجلها . { ومعين } وماء معين ظاهر جار فعيل من معن الماء إذا جرى وأصله الإبعاد في الشيء ، أو من الماعون وهو المنفعة لأنه نفاع ، أو مفعول من عانه إذا أدركه بعينه لأنه لظهوره مدرك بالعيون وصف ماءها بذلك لأنه الجامع لأسباب التنزه وطيب المكان .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

لما كانت آية عيسى العظمى في ذاته في كيفيَّة تكوينه كان الاهتمام بذكرها هنا ، ولم تذكر رسالته لأن معجزة تخليقه دالة على صدق رسالته . وأما قوله { وأمه } فهو إدماج لتسفيه اليهود فيما رموا به مريم عليها السلام فإن ما جعله الله آية لها ولابنها جعلوه مطعناً ومغمزاً فيهما .

وتنكير { آية } للتعظيم لأنها آية تحتوي على آيات . ولما كان مجموعها دالاً على صدق عيسى في رسالته جعل مجموعها آية عظيمة على صدقه كما علمتَ .

وأما قوله : { وآويناهما إلى رُبوة } فهو تنويه بهما إذ جعلهما الله محل عنايته ومظهر قدرته ولطفه .

والإيواء : جعل الغير آوياً ، أي ساكناً . وتقدم عند قوله : { أو آوي إلى ركن شديد } في سورة هود ( 80 ) وعند قوله : { سآوي إلى جبل يعصمني من الماء } في سورة هود ( 43 ) .

والرُبوة بضم الراء : المرتفع من الأرض . ويجوز في الراء الحركات الثلاث . وتقدم في قوله تعالى : { كمثل جنة بربوة } في البقرة ( 265 ) . والمراد بهذا الإيواء وحي الله لمريم أن تنفرد بربوة حين اقترب مخاضُها لتلد عيسى في منعزل من الناس حفظاً لعيسى من أذاهم .

والقرار : المكث في المكان ، أي هي صالحة لأن تكون قراراً ، فأضيفت الربوة إلى المعنى الحاصل فيها لأدنى ملابسة وذلك بما اشتملت عليه من النخيل المثمر فتكون في ظله ولا تحتاج إلى طلب قوتها .

والمعين : الماء الظاهر الجاري على وجه الأرض ، وهو وصف جرى على موصوف محذوف ، أي ماء معين ، لدلالة الوصف عليه كقوله : { حملناكم في الجارية } [ الحاقة : 11 ] . وهذا في معنى قوله في سورة مريم ( 24 26 ) { قد جعل رَبّك تَحْتَكِ سَريّاً وهُزّي إليك بجذْع النخلة تَسَّاقطْ عليك رُطَباً جَنِيَّاً فَكُلِي واشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً . }