فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

ثم أشار سبحانه إلى قصة عيسى إجمالا فقال : { وجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } أي علامة تدل على عظيم قدرتنا وبديع صنعنا وقد تقدم الكلام على هذا في آخر سورة الأنبياء في تفسير قوله سبحانه : { وجعلناها وابنها آية للعالمين } .

قال قتادة : { آية } أي ولدته من غير أب وفحل ، وخلق من غير نطفة ، وعن الربيع ابن أنس قال : { آية } أي عبرة ، ولم يقل آيتين لأن الأعجوبة فيهما واحدة أو المراد ابن مريم آية وأمه آية ، فحذفت الأولى لدلالة الثانية عليها .

{ وَآوَيْنَاهُمَا } أي أسكناهما وأنزلناهما وأوصلناهما وجعلناهما يأويان { إِلَى رَبْوَةٍ } بفتح الراء وضمها قراءتان سبعيتان ، قيل هي أرض دمشق ، وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب ومقاتل . وقيل بيت المقدس ، قاله قتادة وكعب . وقيل أرض فلسطين ، قاله السدي . قال ابن عباس : الربوة المستوية ، وهي المكان المرتفع من الأرض ، وهو أحسن ما يكون فيه النبات ، وأنبئنا أنه دمشق . وقيل هو أعلى مكان من الأرض فيزيد على غيره في الارتفاع ثمانية عشر ميلا ، فهو أقرب بقاع الأرض إلى السماء ، وعن مرة البهزي قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " الربوة الرملة " أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهم .

وعن أبي هريرة قال : هي الرملة من فلسطين ، وقيل مصر ، وسبب الإيواء أنها فرت بابنها إليها لأن ملك ذلك الزمان كان أراد أن يقتل عيسى ، فهربت به إلى تلك الربوة ومكثت بها اثنتي عشرة سنة ، حتى هلك ذلك الملك .

{ ذَاتِ قَرَارٍ } أي مستوى مستقر ليستقر عليه ساكنوه . وقال ابن عباس : أي ذات خصب . وقيل ذات ثمار { و } ماءَ { مَعِينٍ }الزجاج والفراء : هو الماء الجاري في العيون ، فالميم على هذا زائدة كزيادتها في منبع ، وقيل هو فعيل بمعنى مفعول . قال علي بن سليمان الأخفش : يقال معن الماء إذا جرى ، فهو معين وممعون ، وكذا قال ابن الأعرابي : وقيل هو مأخوذ من الماعون وهو النفع .

قال ابن عباس المعين الماء الجاري ، وقيل الذي تراه العيون وهو النهر الذي قال الله { قد جعل ربك تحتك سريا } .