السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

القصة الخامسة : قصة عيسى عليه السلام المذكورة في قوله تعالى : { وجعلنا } أي : بعظمتنا وقدرتنا { ابن مريم } نسبه إليها تحقيقاً لكونه لا أب له ، وكونه بشراً محمولاً في البطن مولوداً لا يصلح لرتبة الإلهية ، وزاد في تحقيق ذلك بقوله : { وأمه } وقال تعالى : { آية } ولم يقل : آيتين ؛ لأنّ الآية فيهما واحدة ولادته من غير فحل ، ويحتمل أنّ الآية الأولى حذفت لدلالة الثانية عليها ، والتقدير : وجعلنا ابن مريم آية وأمه آية لأنّ الله تعالى : جعل مريم آية لأنها حملته من غير ذكر ، وقال الحسن : قد تكلمت في صغرها كما تكلم عيسى وهو قولها : { هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب } [ آل عمران ، 37 ] ، ولم تلتقم ثدياً قط .

تنبيه : قال بعض المفسرين : ولعل في ذلك إشارة إلى أنه تكلمت به آية للقدرة على إيجاد الإنسان بكل اعتبار من غير ذكر ولا أنثى ، وهو آدم عليه السلام ، ومن ذكر بلا أنثى وهي حوّاء عليها السلام ، ومن أنثى بلا ذكر وهو عيسى عليه السلام ، ومن الزوجين وهو بقية الناس { وآويناهما } أي : بعظمتنا { إلى ربوة } أي : مكان عالٍ من الأرض .

تنبيه : قد اختلف في هذه الربوة ، فقال عطاء عن ابن عباس : هي بيت المقدس ، وهو قول قتادة وكعب ، قال كعب : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً ، وقال عبد الله بن سلام : هي دمشق ، وقال أبو هريرة : هي الرملة ، وقال السدي : هي أرض فلسطين ، وقال ابن زيد : هي مصر ، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء ، والباقون بضم الراء { ذات قرار } أي : منبسطة مستوية واسعة يستقر عليها ساكنوها { ومعين } أي : ماء جار ظاهر تراه العيون .

تنبيه : قد اختلف في زيادة ميم معين وأصالتها فوجه من جعلها مفعولاً أنه مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه نحو ركبه إذا ضربه بركبته ، ووجه من جعله فعيلاً أنه نفاع لظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة قيل : سبب الإيواء أنها مرت بابنها إلى الربوة ، وبقيت بها اثنتي عشرة سنة ، ثم رجعت إلى أهلها بعدما مات ملكهم وهاهنا آخر القصص .