تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

الآية 50 : وقوله تعالى : { وجعلنا ابن مريم وأمه آية } خص عز وجل عيسى عليه السلام وأمه بأن جعلهما آية . وجميع البشر في معنى الآية واحد ، إذ خلقوا جميعا من نطفة ، ثم حولت النطفة علقة ، والعلقة مضغة ، إلى آخر ما ينتهي إليه ، فيصير إنسانا .

فالآية والأعجوبة في خلق الإنسان من النطفة ومما ذكرنا إن لم تكن أكثر وأعظم لم تكن دون خلقه بلا أب ولا زوج وما ذكر ، لكنه خصهما بذكر الآية فيهما لخروجهما عن الأمر المعتاد في الخلق ، إذا العادة الظاهرة فيهم أن يخلقوا من النطفة والأب والتزاوج ( والأسباب التي ){[13415]} جعلت للتوالد والتناسل الذي يجري في ما بينهم{[13416]} . والأعجوبة في خلق البشر من النطفة وما ذكر إن لم تكن أكثر وأعظم لم تكن دونه . وهو ما خص بني إسرائيل بالخطاب بالشكر لما أنعم عليهم من المن والسلوى ، ولما أنجاهم من ( فرعون وآله بقوله ){[13417]} : { وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من ءال فرعون }( إبراهيم : 6 ) وقوله{[13418]} : { يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين }( البقرة : 47 و 122 ) .

وقد كان عليهم من النعم ما هو أعظم وأكثر من المن والسلوى ونجاتهم من فرعون وآله . لكنه خصهم بذكر المن والسلوى ، واستأدى منهم الشكر بذلك من بين سائر النعم لأنها خرجت عن المعتاد من النعم المعروفة ، وهم كانوا مخصوصين بهذا من بين غيرهم .

فعلى ذلك عيسى وأمه كانا خارجين عن الأمر المعتاد ومخصوصين بذلك . لذلك خصهما بذكر الآية ، والآية ما ذكر بعض أهل التأويل أنه خلق من غير أب ؛ ولدته أمه من غير بعل وأمثالها .

وقال بعضهم : الآية في عيسى بأن كلم الناس في المهد صبيا ونحوه من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ومثله .

وقوله تعالى : { وأويناهما إلى ربوة ذات قرارا ومعين } ذكر أنه آواهما إلى ربوة كما يؤوي الأب والأم الولد إلى مكان ، يتعيش به ؛ إذ الربوة هي مكان التعيش فيه . ألا ترى أنه ذكر{ ذات قرار معين }هو المكان الذي يستقر فيه ، ويتعيش ، وقال{[13419]} : { ومعين }المعين هو الماء الجاري الظاهر الذي تأخذه العيون ، وتقع عليه الأبصار ؟ .

قال أبو عوسجة : { إلى ربوة }( المؤمنون : 50 ) الربوة المكان المرتفع ، وآويته أي أويته . وقال القتبي : الربوة الاتفاع ، وكل شيء ارتفع ، أو زاد ، فقد ربا ، ومنه الربا في البيع . قال أبو معاذ : للعرب في الربوة أربع لغات : رَبْوَةُ ورِبوة ورُبوة ورُبَاوة .

وقوله تعالى : { ذات قرار معين } قال أبو عوسجة : المعين الماء الظاهر الجاري ، والقرارا الثبات ، وتقول منه : ( قر ){[7]} يقر قرارا ، فهو قار ، وأقررته أي أثبته ، وكذلك قال القتبي : وقال : { ومعين } ماء ظاهر ، وهو مفعول من العين ، كان أصله معيونا{[8]} كما يقال : ثوب مخيط ، وبُرُّ مَكِيل .


[7]:- لم تدرج مقدمة المصنف في ط م.
[8]:- في ط ع: الحق.
[13415]:ساقطة من الأصل وم.
[13416]:أدرج بعدها في الأصل وم: والأسباب التي جعل التوالد في الخلق لخروجها عن الأمر المعتاد في الخلق والعادة خصهما بذكر الآية.
[13417]:في الأصل وم: آل فرعون.
[13418]:في الأصل وم: وقال.
[13419]:في الأصل وم: وقوله.