التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

1 الربوة : المكان المرتفع النزه .

2 معين : نبع لا ينضب .

{ وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة1 ذات قرار ومعين2 ( 50 ) } [ 50 ] .

في هذه الآيات إشارة إلى معجزة الله تعالى في عيسى وأمه المتمثلة في ولادته من أم لم يمسسها بشر ، وما كان من عناية الله بهما وإيوائهما مأوى أمينا في ربوة ذات مياه لا تنضب .

والصلة ملموحة بين هذه الآية وسلسلة القصص على ضوء الآيات القرآنية التي ذكرت ولادة عيسى ورسالته وموقف الناس منهما ؛ حيث كانت تلك المعجزة اختبارا للناس ، فمنهم من كفر بها ومنهم من آمن ومنهم من أساء فهمها وتأويلها ، وحيث كانت رسالة عيسى لقومه فمنهم من آمن بها ، ومنهم من كفر كذلك على ما حكته آيات قرآنية عديدة مرت أمثلة عديدة منها .

ولقد تعددت الأقوال في مكان الربوة الموصوفة بالقرار والمعين فقيل عزوا إلى كعب الأحبار وبعض التابعين : إنها الرملة وإنها بيت المقدس وإنها مصر وإنها دمشق أو غوطتها {[1432]} . وهي أقوال قائمة على التخمين . وقد قال ابن كثير : إنها مكان النخلة التي ألجأ المخاض مريم إليها وأجرى الله تحتها نهرا حينما ولدت ابنها على ما جاء في قصة ولادة عيسى في سورة مريم التي مر تفسيرها وقال : إن القرآن يفسر بعضه بعضا . وفي إنجيل متّى وهو أحد الأناجيل المتداولة اليوم أن ملك الرب تراءى ليوسف النجار زوج مريم وقال له : خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك ، فإن هيرودوس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه ، فأخذهما إلى مصر حيث بقيا فيها إلى أن تراءى ملك الرب ثانية له ، وقال له : ارجع بالصبي وأمه إلى أرض إسرائيل فقد مات طالبو نفس الصبي {[1433]} . والمرجح أن ذلك كان معروفا في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم من طريق النصارى الذين يرجح أن الإنجيل المذكور كان متداولا بين أيديهم . فمن المحتمل أن يكون مكان الربوة هو مصر حتى يجري فيها نهر لا ينضب وحيث كانت ذات أرض مخصبة وزراعة مزدهرة . والله أعلم .


[1432]:انظر تفسيرها في كتب تفسير الطبري والبغوي والخازن.
[1433]:الإصحاح الثاني.