قوله تعالى : { للذين استجابوا } ، أجابوا ، { لربهم } ، فأطاعوه ، { الحسنى } الجنة ، { والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به } ، أي : لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداء من النار ، { أولئك لهم سوء الحساب } . قال إبراهيم النخعي : سوء الحساب : أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له من شيء { ومأواهم } في الآخرة { جهنم وبئس المهاد } ، الفراش ، أي : بئس ما مهد لهم .
ثم بين - سبحانه - بعد ذلك عاقبة أهل الحق ، وعاقبة أهل الباطل فقال - تعالى - { لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ الحسنى والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ . . }
أى : للمؤمنين الصادقين ، الذين أطاعوا ربهم في كل ما أمرهم به أو نهاهم عنه ، المثوبة الحسنى ، وهى الجنة .
فالحسنى يصح أن تكون صفة لموصوف محذوف ، ويصح أن تكون مبتدأ مؤخراً ، وخبره { لِلَّذِينَ استجابوا لِرَبِّهِمُ } .
{ والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ } - سبحانه - ولم ينقادوا لأمره أو نهيه وهم الكفار { لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي الأرض جَمِيعاً } من أصناف الأموال ، ولهم أيضا { مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ } أى لهان عليهم - مع نفاسته وكثرته - أن يقدموه فداء لأنفسهم من عذاب يوم القيامة .
فالضمير في قوله { وَمِثْلَهُ مَعَهُ } يعود إلى ما في الأرض جميعا من أصناف الأموال وفى ذلك ما فيه من تهويل ما سيلقونه من عذاب أليم جزاء كفرهم وجحودهم .
ثم بين - سبحانه - سوء مصيرهم فقال : { أولئك لَهُمْ سواء الحساب } أى : اولئك الذين لم يستجيبوا لربهم لهم الحساب السيئ الذي لا رحمة معه ، ولا تساهل فيه .
{ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أى : ومرجعهم الذي يرجعون إليه جهنم . { وَبِئْسَ المهاد } أى : وبئس المستقر الذي يستقرون فيه .
والمخصوص بالذم محذوف أى : مهادهم أو جهنم .
وبذلك نرى الآيات الكريمة قد أقامت أوضح الأدلة وأحكمها على وحدانية الله - تعالى - وقدرته ، وبينت حسن عاقبة المؤمنين ، وسوء عاقبة المكذبين .
{ للذين استجابوا } للمؤمنين الذين استجابوا . { لربهم الحسنى } الاستجابة الحسنى . { والذين لم يستجيبوا له } وهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما . وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوية أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ خبره . { لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به } وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مآل غير المستجيبين . { أولئك لهم سوء الحساب } وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء . { ومأواهم } مرجعهم . { جهنم وبئس المهاد } المستقر والمخصوص بالذم محذوف .
{ الذين استجابوا } : هم المؤمنون الذين دعاهم الله عز وجل على لسان رسوله فأجابوه إلى ما دعاهم إليه من اتباع دينه ، و { الحسنى } : هي الجنة وكل ما يختص به المؤمنون من نعم الله عز وجل ، { والذين لم يستجيبوا } هم : الكفرة ، و { سوء الحساب } هو : التقصي على المحاسب وأن لا يقع في حسابه من التجاوز شيء - قاله شهر بن حوشب وإبراهيم النخعي ، وقاله فرقد السبخي{[6959]} وغيره - و «المأوى » : حيث يأوي الإنسان ويسكن و { المهاد } : ما يفترش ويلبس بالجلوس والرقاد .
استئناف بياني لجملة { كذلك يضرب الله الأمثال } ، أي فائدة هذه الأمثال أن للذين استجابوا لربهم حين يضربها لهم الحسنى إلى آخره .
فمناسبته لما تقدم من التمثيلين أنهما عائدان إلى أحوال المسلمين والمشركين . ففي ذكر هذه الجملة زيادة تنبيه للتمثيل وللغرض منه مع ما في ذلك من جزاء الفريقين لأن المؤمنين استجابوا لله بما عقلوا الأمثال فجوزوا بالحسنى ، وأما المشركون فأعرضوا ولم يعقلوا الأمثال ، قال تعالى : { وما يعقلها إلا العالمون } [ سورة العنكبوت : 43 ] ، فكان جزاؤهم عذاباً عظيماً وهو سوء الحساب الذي عاقبته المصير إلى جهنم . فمعنى { استجابوا لربهم } استجابوا لدعوته بما تضمنه المثل السابق وغيره .
وقوله : { الحسنى } مبتدأ و { للذين استجابوا } خبره . وفي العدول إلى الموصولين وصلتيهما في قوله : { للذين استجابوا } { والذين لم يستجيبوا } إيماء إلى أن الصلتين سببان لما حصل للفريقين .
وتقديم المسند في قوله : { للذين استجابوا لربهم الحسنى } لأنه الأهم لأن الغرض التنويه بشأن الذين استجابوا مع جعل الحسنى في مرتبة المسند إليه ، وفي ذلك تنويه بها أيضاً .
وأما الخبر عن وعيد الذين لم يستجيبوا فقد أجري على أصل نظم الكلام في التقديم والتأخير لقلة الاكتراث بهم . وتقدم نظير قوله : { لو أن لهم ما في الأرض جميعاً } في سورة العقود ( 36 ) .
وأتي باسم الإشارة في أولئك لهم سوء الحساب } للتنبيه على أنهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة من الخبر بسبب ما قبل اسم الإشارة من الصلة .
و { سوء الحساب } ما يحف بالحساب من إغلاظ وإهانة للمحساب . وأما أصل الحساب فهو حسن لأنه عدل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.