السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لِلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱلَّذِينَ لَمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَهُۥ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لَٱفۡتَدَوۡاْ بِهِۦٓۚ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ سُوٓءُ ٱلۡحِسَابِ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ} (18)

ثم إنه تعالى لما ذكر الحق والباطل ذكر ما لأهلهما من الثواب والعقاب فقال تعالى : { للذين استجابوا لربهم } ، أي : أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعدل والنبوّة وبعث الأموات ، والتزام الشرائع الواردة على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم . { الحسنى } قال ابن عباس وقال أهل المعاني : الحسنى هي المنفعة العظمى في الحسن ، وهي المنفعة الخالصة عن شوائب المضرّة الدائمة الخالصة عن الانقطاع المقرونة بالتعظيم والإجلال ، ولم يذكر تعالى الزيادة هاهنا ؛ لأنه تعالى ذكرها في سورة أخرى وهي قوله تعالى : { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة } [ يونس ، 26 ] هذا ما لأهل الحق ، وأمّا ما لأهل الباطل فهو ما ذكره بقوله جل من قائل : { والذين لم يستجيبوا له } وهم الكفرة فلهم أنواع ثلاثة من العذاب والعقوبة ، فالنوع الأوّل قوله تعالى : { لو أنّ لهم ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به } ، أي : جعلوه فكاك أنفسهم بغاية جهدهم ؛ لأنّ المحبوب بالذات لكل إنسان هو ذاته ، وكل ما هو سواه فهو إنما يحبه لكونه وسيلة إلى مصالح ذاته ، فإذا كانت النفس في الضر والألم والتعب وكان مالكاً لما يساوي عالم الأجناس والأرواح ، فإنه يرضى بأن يجعله فداء نفسه ؛ لأنّ المحبوب بالعرض لا بدّ وأن يكون فداء لما كان محبوباً بالذات ، والكناية في به عائدة إلى ما في قوله ما في الأرض .

والنوع الثاني من أنواع العذاب الذي أعده الله تعالى لهم ما ذكره بقوله تعالى : { أولئك لهم سوء الحساب } وهو المناقشة فيه ، وعن النخعي بأن يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر منه شيء ، وإنما نوقشوا ؛ لأنهم أحبوا الدنيا وأعرضوا عن المولى ، فلما ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الذي هو الدنيا وبقوا محرومين من الفوز بسعادة خدمة المولى .

والنوع الثالث من عقوباتهم ما ذكره بقوله تعالى : { ومأواهم } ، أي : مرجعهم { جهنم } وذلك لأنهم كانوا غافلين عن الاشتغال بخدمة المولى عاشقين للذات الدنيا ، فإذا ماتوا فارقوا معشوقهم ، فيحترقون على مفارقتها ، وليس عندهم شيء آخر يجبر هذه المصيبة ، فلذلك كان مأواهم جهنم . ثم إنه تعالى وصف هذا المأوى بقوله عز من قائل : { وبئس المهاد } ، أي : الفراش ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي : جهنم . ونزل في حمزة وأبي جهل ، وقيل : في عمار وأبي جهل .