معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

قوله تعالى : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن يوسف ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير ، حدثني أبو حازم بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد " .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن خالد - هو ابن يزيد - عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر ، نزلا لأهل الجنة " .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه في هذه الآية قال : تبدل الأرض بأرض كفضة بيضاء نقية لم يسفك فيها دم ولم تعمل عليها خطيئة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : تبدل الأرض من فضة والسماء من ذهب . وقال محمد بن كعب وسعيد بن جبير : تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه . وقيل : معنى التبديل جعل السماوات جنانا وجعل الأرض نيرانا . وقيل : تبديل الأرض تغييرها من هيئة إلى هيئته ، وهي تسير جبالها ، وطم أنهارها ، وتسوية أوديتها وقطع أشجارها ، وجعلها قاعا صفصفا ، وتبديل السماوات : تغيير حالها بتكوير شمسها ، وخسوف قمرها وانتثار نجومها ، وكونها مرة كالدهان ، ومره كالمهل .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا علي بن مسهر ، عن داود - وهو ابن أبي هند - عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل : { يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } فأين يكون الناس يومئذ يا رسول الله ؟ فقال :على الصراط " . وروى ثوبان " أن حبرا من اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ، قال : هم في الظلمة دون الجسر " . قوله تعالى : { وبرزوا } ، خرجوا من قبورهم ، { لله الواحد القهار } ، الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

ثم بين - سبحانه - بعد ذلك بعض العلامات التى تدل على قرب قيام الساعة فقال - تعالى - : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات وَبَرَزُواْ للَّهِ الواحد الْقَهَّارِ } .

والظرف { يوم } متعلق بمحذوف تقديره اذكر .

وقوله { تبدل } من التبديل بمعنى التغيير ، وهذا التغيير والتبديل لهما قد يكون فى ذواتهما كما فى قوله - تعالى - { إِنَّ الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ العذاب . . } وقد يكون فى صفاتهما كقولك " بدلت الحلقة خاتما " وقد يكون فيهما معا وقد ذكر الإمام ابن كثير جملة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية الكريمة فقال : " وقال الإمام أحمد ، حدثنا محمد بن عدى ، عن داود ، عن الشعبى ، عن مسروق ، عن عائشة أنها قالت : " أنا أول الناس سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض . . } قالت : قلت : أين الناس يومئذ يا رسول الله ؟ قال : على الصراط " .

وفى رواية أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " لقد سألتنى عن شئ ما سألنى عنه أحد من أمتى ، ذاك أن الناس - يومئذ يكونون - على جسر جهنم " .

والمعنى : اذكر - أيها العاقل ، لتتعظ وتعتبر يوم يتغير هذا العالم المعهود بعالم آخر جديد ، يأتى به الله - تعالى - على حسب إرادته ومشيئته ويوم يخرج الخلائق جيمعا من قبورهم ليستوفوا جزاءهم ، وليجازوا على أعمالهم . من الله - تعالى - الواحد الأحد ، الذى قهر كل شئ وغلبه ، ودانت له الرقاب ، وخضعت له الألباب .

وختمت الآية الكريمة بهذين الوصفين لله - تعالى - للرد على المشركين الذين جعلوا مع الله آلهة أخرى يشركونها معه فى العبادة ، ويتوهمون أن هذه الآية سوف تدافع عنهم يوم القيامة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

28

( يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ) . .

ولا ندري نحن كيف يتم هذا ، ولا طبيعة الأرض الجديدة وطبيعة السماوات ، ولا مكانها ؛ ولكن النص يلقي ظلال القدرة القادرة التي تبدل الأرض وتبدل السماوات ؛ في مقابل ذلك المكر الذي مهما اشتد فهو ضئيل عاجز حسير .

وفجأة نرى ذلك قد تحقق :

( وبرزوا لله الواحد القهار ) . .

وأحسوا أنهم مكشوفون لا يسترهم ساتر ، ولا يقيهم واق . ليسوا في دورهم وليسوا في قبورهم . إنما هم في العراء أمام الواحد القهار . . ولفظة( القهار )هنا تشترك في ظل التهديد بالقوة القاهرة التي لا يقف لها كيد الجبابرة . وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

وقوله : { يوم تبدل الأرض } الآية ، { يوم } ظرف للانتقام المذكور قبله . ورويت في «تبديل الأرض » أقوال ، منها في الصحيح : أن الله يبدل هذه الأرض بأرض عفراء بيضاء كأنها قرصة نقي ، وفي الصحيح : أن الله يبدلها خبزة يأكل المؤمن منها من تحت قدميه{[7107]} . وروي أنها تبدل أرضاً من فضة . وروي : أنها أرض كالفضة من بياضها{[7108]} . وروي أنها تبدل من نار{[7109]} . وقال بعض المفسرين : تبديل الأرض : هو نسف جبالها وتفجير بحارها وتغييرها حتى لا يرى فيها عوج ولا أمت : فهذه حال غير الأولى ، وبهذا وقع التبديل .

قال القاضي أبو محمد : وسمعت من أبي رضي الله عنه : أنه روي : أن التبديل يقع في الأرض ، ولكن يبدل لكل فريق بما تقتضيه حاله ، فالمؤمن يكون على خبز يأكل منه بحسب حاجته إليه ، وفريق يكون على فضة - إن صح السند بها - وفريق الكفرة يكونون على نار . ونحو هذا مما كله واقع تحت قدرة الله تعالى .

وأكثر المفسرين على أن التبديل يكون بأرض بيضاء عفراء لم يعص الله فيها . ولا سفك فيها دم ، وليس فيها معلم لأحد ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «المؤمنون وقت التبديل في ظل العرش »{[7110]} ، وروي عنه أنه قال : «الناس وقت التبديل على الصراط »{[7111]} ، وروي أنه قال «الناس حينئذ أضياف الله فلا يعجزهم ما لديه »{[7112]} .

و { برزوا } مأخوذ من البراز ، أي ظهروا بين يديه لا يواريهم بناء ولا حصن . وقوله : { الواحد القهار } صفتان لائقتان بذكر هذه الحال .


[7107]:أخرج البخاري، ومسلم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحد كم خبزته في السفرة نزلا لأهل الجنة . . . ) راجع البخاري ـ كتاب الرقاق ففيه بقية الحديث، وكذلك في الدر المنثور.
[7108]:أخرج البزار، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في البعث ـ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: {يوم تبدل الأرض غير الأرض}، قال: (أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل فيها خطيئة). (الدر المنثور) و(فتح القدير).
[7109]:أخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: "الأرض كلها نار يوم القيامة و الجنة من ورائها ترى أكوابها وكواعبها، والذي نفس عبد الله بيده إن الرجل ليفيض عرقا حتى يرشح في الأرض قدمه . . . الخ" (تفسير الطبري).
[7110]:الذي رواه الإمام أحمد في مسنده (5 ـ 300 ، 308) هو أن أبا قتادة كان له دين على أحد الناس، وكان المدين يختبىء منه، ثم علم ذات يوم أنه في البيت فناداه وسأله عن سبب اختفائه، فقال: إني معسر ـ فبكى أبو قتادة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من نفس عن غريمه، أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة)، وليس لهذا صلة بالتبديل.
[7111]:أخرجه أحمد، ومسلم ، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه ، والحاكم ـ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {يوم تبدل الأرض غير الأرض}، قلت: أين الناس يؤمئذ؟ قال: على الصراط. (الدر المنثور، وتفسير الطبري، وفتح القدير).
[7112]:أخرجه أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم في الدلائل عن أبي أيوب الأنصاري. (الدر المنثور).