السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

وقوله تعالى : { يوم تبدّل الأرض غير الأرض } بدل من يوم يأتيهم ، أو ظرف للانتقام ، والمعنى : يوم تبدل هذه الأرض التي تعرفونها أرضاً أخرى غير هذه المعروفة ، وقوله تعالى : { والسماوات } عطف على الأرض وتقديره والسماوات غير السماوات ، والتبديل التغيير ، وقد يكون في الذوات كقولك بدلت الدراهم دنانير ، ومنه { بدلناهم جلوداً غيرها } [ النساء ، 56 ] { وبدلناهم بجنتيهم جنتين } [ سبأ ، 16 ] . وفي الأوصاف كقولك : بدلت الحلقة خاتماً ، إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل إلى شكل آخر ، ومنه قوله تعالى : { فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات } [ الفرقان ، 70 ] والآية محتملة لكل واحد من هذين المفهومين ، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : هي تلك الأرض ، وإنما تغير أوصافها ، وأنشد :

وما الناس بالناس الذين عهدتهم ** ولا الدار بالدار التي كنت تعلم

فتتبدّل أوصافها فتسير عن الأرض جبالها ، وتفجر بحارها ، وتستوي فلا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وتبدل السماء بانتثار كواكبها ، وكسوف شمسها ، وخسوف قمرها ، وانشقاقها وكونها أبواباً ، ويدلّ لذلك قوله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقاء ليس فيها علم لأحد » أخرجاه في الصحيحين ، العفراء بالعين المهملة ، وهي البيضاء إلى حمرة ، ولهذا شبهها بقرصة النقاء ، وهو الجير الأبيض الجيد الفائق المائل إلى الحمرة . كأن النار ميلت بياض وجهه إلى الحمرة ، وقوله : ليس فيها علم لأحد يعني : ليس فيها علامة لأحد لتبديل هيئتها وصفتها وزوال جبالها وجميع بنائها ، فلا يبقى فيها أثر يستدلّ به . وعن ابن مسعود أنه قال : تبدل الأرض بأرض كالفضة البيضاء نقية لم يسفك فيها دم ، ولم تعمل عليها خطيئة . وقال عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه : الأرض من فضة والسماء من ذهب . وقال محمد بن كعب وسعيد بن جبير : تبدل الأرض خبزة بيضاء يأكل المؤمن من تحت قدميه . وعن الضحاك أيضاً : من فضة كالصحائف . وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فأين يكون الناس يومئذٍ يا رسول الله ؟ فقال : «على الصراط » . أخرجه مسلم . وروى ثوبان أنّ حبراً من اليهود سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أين تكون الناس يوم تبدّل الأرض غير الأرض ؟ قال : «هم في الظلمة دون الجسر » . قال الرازي : واعلم أنه لا يبعد أن يقال : المراد من تبديل الأرض والسماوات هو أنه تعالى يجعل الأرض جهنم والسماوات الجنة ، والدليل عليه قوله تعالى : { كلا إنّ كتاب الأبرار لفي عليين } [ المطففين ، 18 ] . وقوله تعالى : { كلا إنّ كتاب الفجار لفي سجين } [ المطففين ، 7 ] . { وبرزوا } ، أي : خرجوا من قبورهم { لله } ، أي : لحكمه والوقوف بين يديه تعالى للحساب { الواحد } ، أي : الذي لا شريك له { القهار } ، أي : الذي لا يدافعه شيء عن مراده كما قال تعالى : { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } [ غافر ، 16 ] .