قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض } [ لما بين أنه عزيز ذو انتقام ، بين وقت انتقامه ، فقال : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض } ] {[19385]} ويجوز في " يَوْمَ " عدة أوجه :
أحدها : أن ينتصب منصوباً ب " انتقام " أي : يقع انتقامه في ذلك اليوم .
الثاني : أن ينتصب ب " اذكُر " .
الثالث : ِأن ينتصب بما يتلخص من معنى عزيز ذو انتقام .
الرابع : أن يكون بدلاً من : " يَوْمَ يَأتِيهِمْ " .
الخامس : أن ينتصب ب " مُخْلِفَ " .
السادس : أن ينتصب ب " وَعْدِهِ " ، و " إنَّ " وما بعدها اعتراض .
ومنع أبو البقاء هذه الآخرين ، قال{[19386]} : " لأن ما قبل " إنَّ " لا يعمل فيما بعدها " .
وهذا غير مانع ؛ لأنه كما تقدَّم اعتراض ، فلا يبالى به فاصلاً .
الأول : أن تكون الذَّات باقية ، وتبدل الصفة بصفة أخرى ، كما تقول : بدلت الحلقة خاتماً ، إذا أذبتها وسويتها خاتماً فنقلتها من شكل إلى شكل آخر ، منه قوله تعالى : { فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] ، ويقال : بدّلتُ قَمِيصِي جُبَّة ، إذا قلبت عَيْنَهُ فجعلتهُ جُبَّةٌ ، وقال الشاعر : [ الطويل ]
فَمَا النَّاسُ بالنَّاسِ الذينَ عَرَفْتهُمْ *** ولا الدَّارُ بالدَّارِ الَّتي أنْتَ تَعْلمُ{[19387]}
الثاني : أنْ تُفني الذات ، وتحدث ذاتاً أخرى ، كقولك : بدَّلتُ الدَّراهمَ دنَانِيرَ ومنه قوله -تعالى- : { وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ } [ سبأ : 16 ] .
وإذا عرفت أن اللفظ محتمل للوجهين ففي الآية قولان :
الأول : قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : هي تلك الأرض ، إلاَّ أنها تغير صفتها فتسيرُ عنها جبالها ، وتفجر أنهارها ، وتسوى ، فلا { ترى فِيهَا عِوَجاً ولا أَمْتاً }{[19388]} [ طه : 107 ] وقال صلى الله عليه وسلم : " تُبدَّلُ الأرضُ غير الأرْضِ ، فيَبْسُطهَا ، ويمُدُهَا مدَّ الأدِيم [ العكاظي ]{[19389]} لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً " . وتبدل السماوات بانتثارِ كواكبها وانفطارها وتكوير شمسها ؛ وخسوف قمرها ، وكونها تكن تارة كالمهل ، وتارة كالدهان{[19390]} .
والقول الثاني : تبديل الذات . قال ابن مسعود -رضي الله عنه- : تبدل بأرض كالفضَّة البيضاء النَّقية ، لم يسفك فيها دمٌ ، ولم يعمل عليها خطيئة{[19391]} .
والقائلون بالقول الأول هم الذين يقولون عند قيام القيامةِ : لا يعدم الله الذوات والأجسام ، وإنَّما يعدم صفاتها .
وقيل : المراد من تبديل الأرض والسماوات : هو أنَّ الله -تعالى- ، يجعل الأرض جهنم ، ويجعل السماوات الجنة بدليل قوله تعالى : { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ }
[ المطففين : 7 ] وقوله -عزَّ وجلَّ- { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار لَفِي عِلِّيِّينَ } [ المطففين : 18 ] .
وقالت عائشة -رضي الله عنها- : سألتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] أيْنَ تكُون النَّاس يَوْمئذٍ ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " على الصِّراطِ " {[19392]} .
وروى ثوبانُ -رضي الله عنه- أن حبْراً من اليهودِ سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيْنَ تكُونُ النَّاسُ يَومَ تُبدَّلُ الأرضُ غير الأرْضِ ؟ قال : " هُمْ في الظُّلمةِ دون الجِسْرِ " {[19393]} .
قوله " والسماوات " تقديره : وتبدل السماوات غير السماوات .
وقرئ{[19394]} : " نُبَدّلُ " بالنون : " الأرض " نصباً " والسماوات " نسق عليه .
قوله " وبَرَزُوا " فيه وجهان :
أحدهما : أنها حملةٌ مستأنفة ، أي : يبرزون ، كذا قدَّره أبو البقاءِ ، يعنى أنه ماض يراد به الاستقبال ، والأحسن أنه مثل { ونادى أَصْحَابُ النار } [ الأعراف : 50 ] { ونادى أَصْحَابُ الجنة } [ الأعراف : 44 ] { رُّبَمَا يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ } [ الحجر : 2 ] { أتى أَمْرُ الله } [ النحل : 1 ] لتحقُّّق ذلك .
والثاني : أنها حال من " الأرض " ، و " قَدْ " معها مرادة ، قاله أبو البقاءِ ويكون الضمير في : " بَرَزُوا " للخلق دلّ عليه السِّياق ، والرَّابط بين الحال ، وصاحبها الواو .
وقرأ زيد{[19395]} بن علي " وبُرِّزُوا " بضم الباء ، وكسر الرَّاء مشددة عل التَّكثير في الفعل ومفعوله ، وتقدَّم الكلام في معنى البروز عند قوله تعالى { وَبَرَزُواْ للَّهِ جَمِيعاً } [ إبراهيم : 21 ] ، وإنما ذكر " الوَاحدِ القهَّارِ " هنا ؛ لأنَّ الملك إذا كان لمالك واحد غالبٍ لا يغلبُ ، قهَّار لا يقهر ، فلا يستغاث بأحد غيره ، فكان الأمر في غية الصعوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.