{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( 48 ) }
{ يَوْمَ } أي اذكر وارتقب يوم { تُبَدَّلُ الأَرْضُ } المشاهدة { غَيْرَ الأَرْضِ } والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم بالدنانير وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتما ، والآية تحتمل الأمرين وبالثاني قال الأكثر { وَالسَّمَوَاتُ } أي وتبدل السموات غير السموات لدلالة ما قبله عليه على الاختلاف الذي مر ، وتقديم تبديل الأرض لقربانها ولكون تبديلها أعظم أثرا بالنسبة إلينا .
أخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( في الظلمة دون الجسر ) {[1019]} .
وأخرج مسلم أيضا وغيره من حديث عائشة قالت : أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية ، قلت : أين الناس يومئذ قال : ( على الصراط ) {[1020]} والصحيح على هذا إزالة عين هذه الأرض .
وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في الأوسط ، والبيهقي وابن عساكر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض } قال : ( أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حارم ولم يعمل بها خطيئة ) قال البيهقي : والموقوف أصح ، وفي الباب روايات ، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة .
وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقى ) {[1021]} وفيهما أيضا عن حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) {[1022]} الحديث .
وقد أطال القرطبي في بيان ذلك في تفسيره وفي تذكيره ، وحاصله أن هذه الأحاديث نص في أن الأرض والسماوات تبدل وتزال ويخلق الله أرضا أخرى تكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر ، وهو الصراط لا كما قال كثير من الناس أن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية آكامها ونسف جبالها ومد أرضها .
ثم قال وذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أنه لا تعارض بين هذه الآثار ، وأنهما تبدلان كرتين : إحداهما هذه الأولى قبل نفخة الصعق ، والثانية إذا وقفوا في المحشر ، وهي أرض عفراء من فضة لم يسفك عليهما دم حرام ولا جرى عليها ظلم ويقوم الناس على الصراط على متن جهنم ، ثم ذكر في موضع آخر من التذكرة ما يقتضي أن الخلائق وقت تبديل الأرض تكون في أيدي الملائكة رافعين لهم عنها .
قال في الجمل : فتحصل من مجموع كلامه أن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى من فضة يكو ن قبل الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك مرفوعة في أيدي الملائكة وإن تبديل الأرض بأرض من خبز يكون بعد الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك على الصراط ، وهذه الأرض خاصة بالمؤمنين عند دخولهم الجنة .
{ وَبَرَزُواْ } أي العباد أو الظالمون كما يفيده السياق أي ظهروا من قبورهم ليستوفوا جزاء أعمالهم وهذه هي علة الخروج أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه ، والتعبير عن المستقبل بالماضي للتنبيه على تحقيق وقوعه كما في قوله ونفخ في الصور { للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } المنفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.