فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ تُبَدَّلُ ٱلۡأَرۡضُ غَيۡرَ ٱلۡأَرۡضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُۖ وَبَرَزُواْ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (48)

{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ( 48 ) }

{ يَوْمَ } أي اذكر وارتقب يوم { تُبَدَّلُ الأَرْضُ } المشاهدة { غَيْرَ الأَرْضِ } والتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم بالدنانير وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتما ، والآية تحتمل الأمرين وبالثاني قال الأكثر { وَالسَّمَوَاتُ } أي وتبدل السموات غير السموات لدلالة ما قبله عليه على الاختلاف الذي مر ، وتقديم تبديل الأرض لقربانها ولكون تبديلها أعظم أثرا بالنسبة إلينا .

أخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( في الظلمة دون الجسر ) {[1019]} .

وأخرج مسلم أيضا وغيره من حديث عائشة قالت : أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية ، قلت : أين الناس يومئذ قال : ( على الصراط ) {[1020]} والصحيح على هذا إزالة عين هذه الأرض .

وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في الأوسط ، والبيهقي وابن عساكر وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قول الله : { يوم تبدل الأرض غير الأرض } قال : ( أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حارم ولم يعمل بها خطيئة ) قال البيهقي : والموقوف أصح ، وفي الباب روايات ، وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة .

وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقى ) {[1021]} وفيهما أيضا عن حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده ) {[1022]} الحديث .

وقد أطال القرطبي في بيان ذلك في تفسيره وفي تذكيره ، وحاصله أن هذه الأحاديث نص في أن الأرض والسماوات تبدل وتزال ويخلق الله أرضا أخرى تكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر ، وهو الصراط لا كما قال كثير من الناس أن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية آكامها ونسف جبالها ومد أرضها .

ثم قال وذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أنه لا تعارض بين هذه الآثار ، وأنهما تبدلان كرتين : إحداهما هذه الأولى قبل نفخة الصعق ، والثانية إذا وقفوا في المحشر ، وهي أرض عفراء من فضة لم يسفك عليهما دم حرام ولا جرى عليها ظلم ويقوم الناس على الصراط على متن جهنم ، ثم ذكر في موضع آخر من التذكرة ما يقتضي أن الخلائق وقت تبديل الأرض تكون في أيدي الملائكة رافعين لهم عنها .

قال في الجمل : فتحصل من مجموع كلامه أن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى من فضة يكو ن قبل الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك مرفوعة في أيدي الملائكة وإن تبديل الأرض بأرض من خبز يكون بعد الصراط وتكون الخلائق إذ ذاك على الصراط ، وهذه الأرض خاصة بالمؤمنين عند دخولهم الجنة .

{ وَبَرَزُواْ } أي العباد أو الظالمون كما يفيده السياق أي ظهروا من قبورهم ليستوفوا جزاء أعمالهم وهذه هي علة الخروج أو ظهر من أعمالهم ما كانوا يكتمونه ، والتعبير عن المستقبل بالماضي للتنبيه على تحقيق وقوعه كما في قوله ونفخ في الصور { للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } المنفرد بالألوهية الكثير القهر لمن عانده .


[1019]:مسلم 315.
[1020]:مسلم 2791.
[1021]:مسلم 2790 – البخاري 2499.
[1022]:مسلم 2792 – البخاري 2448.