معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

قوله تعالى : { قال } ، الله تعالى يا إبليس : { ما منعك أن لا تسجد إذ أمرتك } ، أي : ما منعك أن تسجد و( لا ) زائدة كقوله تعالى : { وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [ الأنبياء :95 ] .

قوله تعالى : { قال } ، إبليس مجيباً له .

قوله تعالى : { أنا خير منه } لأنك .

قوله تعالى : { خلقتني من نار وخلقته من طين } ، والنار خير وأنور من الطين ، قال ابن عباس : أول من قاس إبليس فأخطأ القياس ، فمن قاس الدين بشيء من رأيه قرنه الله مع إبليس . قال ابن سيرين : ما عبدت الشمس إلا بالقياس ، قال محمد بن جرير : ظن الخبيث أن النار خير من الطين ولم يعلم أن الفضل لمن جعل الله له الفضل ، وقد فضل الله الطين على النار ، وقالت الحكماء : للطين فضل على النار ، من وجوه منها : أن من جوهر الطين الرزانة والوقار ، والحلم والصبر ، وهو الداعي لآدم بعد السعادة التي سبق له إلى التوبة والتواضع والتضرع ، فأورثه الاجتباء والتوبة والهداية ، ومن جوهر النار الخفة والطيش ، والجرأة والارتفاع ، وهو الداعي لإبليس بعد الشقاوة التي سبقت له إلى الاستكبار والإصرار ، فأورثه اللعنة والشقاوة ، ولأن الطين سبب جمع الأشياء والنار سبب تفرقها ، ولأن التراب سبب الحياة ، فإن حياة الأشجار والنبات به ، والنار سبب الهلاك .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

ثم حكى القرآن الكريم الأسباب التي حملت إبليس على عدم السجود لآدم فقال : { قَالَ مَا مَنَعَكَ . . . . } .

أى : قال الله - تعالى - لإبليس : ما ألزمك واضطرك إلى أن لا تسجد لآدم ؟ فالنع مجاز عن الإلجاء والاضطرار . أو ما حملك ودعاك إلى ألا تسجد ؟ فالمنع مجاز عن الحمل . والاستفهام للتوبيخ والتقريع .

و ( لا ) في قوله : { أَلاَّ تَسْجُدَ } مزيدة للتنبيه على أن الموبخ عليه ترك السجود . وتوكيد لمعنى الفعل الذي دخلت عليه وتحقيقه ، كأنه قيل : ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك .

وقد حكى القرآن ما أجاب به إبليس فقال : { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } أى : قال إبليس أنا خير من آدم ، لأنى مخلوق من عنصر النار الذي هو أشرف من عنصر الطين ، والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه .

قال ابن كثير : " وقول إبليس - لعنة الله - { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ } . . . إلخ . من العذر الذي هو أكبر من الذنب ، إذ بين بأنه خير من آدم لأنه خلق من النار وآدم خلق من الطين ، فنظر اللعين إلى أصل العنصر ول ينظر إلى التشريف العظيم ، وهو أن الله - تعالى - خلق آدم بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وقاس قياساً فاسداً في مقابلة نص ، وهو قوله - تعالى - : { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } فشذ من بين الملائكة لترك السجود فأبعده الله عن رحمته ، وكان قياسه فاسداً لأن النار ليست أشرف من الطين ، فإن الطين من شأنه الرزانة والأناة والتثبت ، وهو محل النبات والنمو والزيادة والإصلاح ، والنار من شأنها الإحراق والطيش والسرعة ، ولهذا خان إبليس عنصره ، ونفع آدم عنصره بالرجوع والإنابة والاستكانة والانقياد والاستسلام لأمر الله . وفى صحيح مسلم عن عائشة قالت :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلت الملائكة من نور ، وخلق إبليس من مارج من نار ، وخلق آدم ما وصف لكم " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

( قال : ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك ؟ قال : أنا خير منه ، خلقتني من نار ، وخلقته من طين )

لقد جعل إبليس له رأيا مع النص . وجعل لنفسه حقا في أن يحكم نفسه وفق ما يرى هو من سبب وعلة مع وجود الأمر . . وحين يوجد النص القاطع والأمر الجازم ينقطع النظر ، ويبطل التفكر ؛ وتتعين الطاعة ، ويتحتم التنفيذ . . وهذا إبليس - لعنه الله - لم يكن ينقصه أن يعلم أن الله هو الخالق المالك الرازق المدبر الذي لا يقع في هذا الوجود شيء إلا بإذنه وقدره . . ولكنه لم يطع الأمر كما صدر إليه ولم ينفذه . . بمنطق من عند نفسه :

( قال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) . .

/خ25

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

{ ما } استفهام والمقصود به التوبيخ والتقريع ، و { لا } في قوله «أن لا » قيل هي زائدة ، والمعنى ما منعك أن تسجد وهي ك «لا » في قول الشاعر : [ الطويل ]

أبى جودُه لا البخلَ واسْعْجَلَتْ به*** نَعَمْ من فتى لا يمنعُ الجود قاتله

وهذا على أحد الأقوال في هذا البيت فقيل «لا » فيه زائدة . وقال الزجّاج : مفعولة والبخل بدل منها ، وحكى الطبري عن يونس عن أبي عمرو بن العلاء : أن الرواية فيه لا البخل بخفض اللام لأن «لا » قد تتضمن جوداً إذا قالها من أمر بمنع الحقوق والبخل عن الواجبات . ومن الأبيات التي جاءت لا فيها زائدة قول الشاعر : [ الكامل ]

أفَِمنْكِ لا بَرْق كأنّ وميضه*** غاب تسنمه ضرام مثقبُ

وقيل في الآية ليست لا زائدة ، وإنما المعنى ما منعك فأحوجك أن تسجد ، وقيل : لما كان { ما منعك } بمعنى من أمرك ومن قال لك حسن أن يقول بعدها { ألا تسجد } .

قال القاضي أبو محمد : وجملة هذا الغرض أن يقدر في الكلام فعل يحسن حمل النفي عليه ، كأنه قال ما أحوجك أو حملك أو اضطرك ، وجواب إبليس اللعين ليس عما سئل عنه ولكنه جاء بكلام يتضمن الجواب والحجة عليه ، فكأنه قال : منعني فضلي إذ أنا خير منه حين خلقتني من نار وخلقته من طين . وروي عن ابن عباس أنه قال : لا أسجد وأنا خير منه وأكبر سناً وأقوى خلقاً ، يقول إن النار أقوى من الطين وظن إبليس أن النار أفضل من الطين وليس كذلك بل هي في درجة واحدة من حيث هي جماد مخلوق ، فلما ظن إبليس أن صعود النار وخفتها يقتضي فضلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق في النار من الطيش والخفة والاضطراب ، وفي الطين من الوقار والأناة والحمل والتثبيت .

قال القاضي أبو محمد : وفي كلام الطبري نظر ، وروي عن الحسن وابن سيرين أنهما قالا : أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس .

قال القاضي أبو محمد : قال الطبري يعنيان الخطأ ولا دليل من لفظهما عليه ولا يتأول عليهما إنكار القياس ، وإنما خرج كلامهما نهياً عما كان في زمنهما من مقاييس الخوارج وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجادة .