تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

فوبخه اللّه على ذلك وقال : { مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ } لما خلقت بيديَّ ، أي : شرفته وفضلته بهذه الفضيلة ، التي لم تكن لغيره ، فعصيت أمري وتهاونت بي ؟

{ قَالَ } إبليس معارضا لربه : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } ثم برهن على هذه الدعوى الباطلة بقوله : { خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ }

وموجب هذا أن المخلوق من نار أفضل من المخلوق من طين لعلو النار على الطين وصعودها ، وهذا القياس من أفسد الأقيسة ، فإنه باطل من عدة أوجه :

منها : أنه في مقابلة أمر اللّه له بالسجود ، والقياس إذا عارض النص ، فإنه قياس باطل ، لأن المقصود بالقياس ، أن يكون الحكم الذي لم يأت فيه نص ، يقارب الأمور المنصوص عليها ، ويكون تابعا لها .

فأما قياس يعارضها ، ويلزم من اعتباره إلغاءُ النصوص ، فهذا القياس من أشنع الأقيسة .

ومنها : أن قوله : { أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ } بمجردها كافية لنقص إبليس الخبيث . فإنه برهن على نقصه بإعجابه بنفسه وتكبره ، والقول على اللّه بلا علم . وأي نقص أعظم من هذا ؟ "

ومنها : أنه كذب في تفضيل مادة النار على مادة الطين والتراب ، فإن مادة الطين فيها الخشوع والسكون والرزانة ، ومنها تظهر بركات الأرض من الأشجار وأنواع النبات ، على اختلاف أجناسه وأنواعه ، وأما النار ففيها الخفة والطيش والإحراق .