الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

{ وما } في قوله : { مَا مَنَعَكَ } استفهام على جِهَةِ التوبيخ والتقريع ، و{ لا } في قوله : { أَلاَّ تَسْجُدَ } قيل : هي زائدة ، والمعنى : ما مَنَعَكَ أن تَسْجُدَ ، وكذلك قال أبو حَيَّان : إنها زائدة ، كهي في قوله تعالى : { لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب } [ الحديد : 29 ] .

قال : ويدلُّ على زيادتها سُقُوطها في قوله تعالى : { مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ } في [ ص : 75 ] ، انتهى .

وجواب إبليس اللعين ليس بمُطابق لما سئل عنه ، لكن [ لما ] جاء بِكَلاَمٍ يتضمن الجَوَابَ والحجة ، فكأنه قال : منعني فَضْلِي عليه ، إذ أنا خير منه ، وظن إبليس أن النار أَفْضَلُ من الطين ، وليس كذلك بل هما في دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ من حيث إنهما جَمَادٌ مخلوق ، ولما ظن إبليس أن صُعُودَ النار ، وَخِفَّتَهَا يقتضي فَضْلاً على سُكُونِ الطين وبلادته ، قَاسَ أن ما خُلِقَ منها أَفْضَلُ مما خُلِقَ من الطين ، فأخطأ قياسه ، وذهب عليه أن الروح الذي نُفِخَ في آدم ليس من الطِّين .

وقال الطبري : ذهب عليه ما في النَّارِ من الطَّيْشِ ، والخِفَّةِ ، والاضطراب ، وفي الطين من الوَقَارِ ، والأَنَاةِ والحِلْمِ ، والتثبت .

وروي عن الحسن ، وابن سيرين أنهما قالا : أول مَنْ قَاسَ إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالقِيَاس ، وهذا القَوْلُ منهما ليس هو بإنكار للقياس ، وإنما خُرِّجَ كلامهما نَهْياً عما كان في زمانهما من مَقَايِيسِ الخَوَارِجِ وغيرهم ، فأرادا حمل الناس على الجَادَّةِ .