معاني القرآن للفراء - الفراء  
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ} (12)

وقوله : { قَالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ }

المعنى - والله أعلم - ما منعك أن تسجد . و( أن ) في هذا الموضع تصحبها لا ، وتكون ( لا ) صلة . كذلك تفعل بما كان في أوّله جحد . وربما أعادوا على خبره جحدا للاستيثاق من الجحد والتوكيد له ؛ كما قالوا :

ما إن رأينا مثلهن لمعشر *** سود الرءوس فوالج وفيول

و( ما ) جحد و( إن ) جحد فجمعتا للتوكيد . ومثله : { وما يشعِركم أنها إذا جاءت لا يؤمِنون } . ومثله : { وحرام على قريةٍ أهلكناها أنهم لا يرجِعون } . ومثله : { لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون } إلا أن معنى الجحد الساقط في لئلا من أوّلها لا من آخرها ؛ المعنى : ليعلم أهل الكتاب ألا يقدرون . وقوله : { ما مَنَعَكَ } ( ما ) في موضع رفع . ولو وضع لمثلها من الكلام جواب مصحح كان رفعا ، وقلت : منعني منك أنك بخيل . وهو مما ذكر جوابه على غير بناء أوله ، فقال : { أَنا خَيْرٌ مِّنْهُ } ولم يقل : منعني من السجود أنى خير منه ؛ كما تقول في الكلام : كيف بتّ البارحة ؟ فيقول : صالح ، فيرفع ؛ أو تقول : أنا بخير ، فتستدلّ به على معنى الجواب ، ولوصحح الجواب لقال صالحا ، أي بتُّ صالحا .