{ قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ( 12 ) } .
{ قال } سبحانه وتعالى : { ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } أي أن تسجد كما وقع في سورة ( ص ) . و ( لا ) مزيدة للتنبيه على أن الموبخ عليه ترك السجود . ولتوكيد لمعنى الفعل الذي دخلت عليه وتحقيقه ، كما في قوله تعالى{[3850]} : { ولئلا يعلم أهل الكتاب } كأنه قيل : ليتحقق علم أهل الكتاب ، وما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك . وتوقف بعض المحققين في وجه إفادة ( لا ) النافية تأكيد ثبوت الفعل مع إيهام نفيه ، واستظهر الشهاب أنها لا تؤكده مطلقا ، بل إذا صحبت نفيا مقدما أو مؤخرا صريحا أو غير صريح ، / كما في : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } وكما هنا ، فإنها تؤكد تعلق المنع به- انتهى- .
وقيل : { ما منعك } محمول على ( ما حملك وما دعاك ) مجازا أو تضمينا . وقال الراغب : المنع ضد العطية ، وقد يقال في الحماية . والمعنى ما حملك عن عدم السجود . ولا يخفى أن السؤال عن المانع من السجود ، مع علمه به ، للتوبيخ ولإظهار معاندته وكفره وكبره وافتخاره بأصله وتحقيره أصل آدم عليه السلام . كما أوضحه قوله تعالى : { قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين } قال ابن كثير . هذا من العذر الذي هو أكبر من الذنب – انتهى- . وإنما قال هذا ، ولم يقل ( منعني كذا ) مطابقة للسؤال . لأن في هذه الجملة التي جاء بها مستأنفة ، ما يدل على المانع ، وهو اعتقاده أنه أفضل منه ، والفاضل لا يفعل مثل ذلك المفضول ، مع ما في طيها من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله . فالجملة متضمنة للجواب بقياس استدلالي ، وهي من الأسلوب الأحمق كما في قصة نمرود . وقد علل ما ادعاه من الخيرية والفضل بزعمه أن عنصر النار أفضل من عنصر الطين ، لأنها جوهر نوراني ، وهو ظلماني . ولقد أخطأ اللعين حيث خص الفضل بما من جهة المادة والعنصر ، وغفل عما يكون باعتبار الصورة . كما أنبأ عنه قوله تعالى : { ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي }{[3851]} أي : بغير واسطة ، وباعتبار الصورة . كما نبه عليه بقوله : { ونفخت فيه من روحي }{[3852]} وباعتبار الغاية وهو ملاك الأمر ، ولذلك أمر الملائكة بالسجود له لما بين لهم أنه أعلم منهم بما يدور عليه / أمر الخلافة في الأرض ، وأن له خواص ليست لغيره . وبالجملة فالشيء كما يشرف بمادته يشرف بفاعله وغايته وصورته ، والثلاثة في آدم عليه السلام دونه ، فاستبان غلطه .
وفي ( اللباب ) : أن عدو الله إبليس جهل وجه الحق ، وأخطأ طريق الصواب ، لأن من المعلوم أن من جوهر النار الخفة والطيش والارتفاع والاضطراب ، وهذا الذي حمله ، مع سابقة شقائه ، على الاستكبار على السجود لآدم عليه السلام ، والاستخفاف بأمر ربه ، فأورده ذلك العطب والهلاك . ومن جوهر الطين الرزانة والأناة والصبر والحلم والحياء والتثبت ، وهذا أن الداعي لآدم عليه السلام ، مع سابقة سعادته ، إلى التوبة من خطيئته ، ومسألته ربه العفو عنه والمغفرة .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت{[3853]} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم " رواه مسلم .
روى ابن جرير{[3854]} بإسناد صحيح عن الحسن في قوله تعالى : { خلقتني من نار وخلقته من طين } قال : " قاس إبليس وهو أول من قاس " . وأخرج{[3855]} أيضا بإسناد صحيح عن ابن سيرين قال : أول من قاس إبليس ، وما عبدت الشمس والقمر إلا بالمقاييس . ولذا احتج بهذه الآية من ذهب إلى عدم جواز تخصيص النص بالقياس ، وإلا لما استوجب إبليس هذا الذم الشديد .
قال الرازي : بيان الملازمة أن قوله تعالى للملائكة : { اسجدوا لآدم } خطاب عام يتناول جميع الملائكة ، ثم إن إبليس أخرج نفسه من هذا العموم بالقياس ، وهو أنه مخلوق ن النار ، والنار أشرف من الطين ، ومن كان أصله أشرف فهو أشرف ، والأشرف لا يجوز أن يؤمر بخدمة الأدنى ، والدليل عليه أن هذا الحكم ثابت في جميع النظائر ، ولا معنى للقياس إلا ذلك . وقد ثبت أن إبليس لما خصص العموم بهذا القياس استحق الذم ، وما ذاك إلا لعدم جوازه . وأيضا ففي الآية دلالة على ذلك من وجه آخر : وذلك لأن إبليس لما ذكر هذا القياس قال تعالى : { فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها } فوصفه تعالى بكونه متكبرا ، بعد أن حكى عنه ذلك القياس الذي يوجب تخصيص النص وهذا يقتضي أن من حاول تخصيص عموم النص بالقياس تكبر على الله . ودلت هذه الآية على أن التكبر عليه تعالى يوجب العقاب الشديد ، والإخراج من زمرة الأولياء . ثبت أن تخصيص النص بالقياس لا يجوز ، وهذا هو المارد مما نقله الواحدي في ( البسيط ) عن ابن عباس أنه قال : " كانت الطاعة أولى بإبليس من القياس ، فعصى ربه وقاس ، وأول من قاس إبليس فكفر بقياسه ، فمن قاس الدين بشيء من رأيه ، قرنه الله مع إبليس :- هذا ما نقله الواحدي في ( البسيط ) عن ابن عباس ، وأفاده الرازي .
وقد روي عن السلف آثار كثيرة في ذم القياس ، منها ما تقدم عن الحسن وابن سيرين وابن عباس . وعن مسروق قال : لا أقيس شيئا بشيء ، فتزل قدمي بعد ثبوتها . وعن الشعبي : إياكم والقياس ، وإنكم إن أخذتم به أحللتم الحرام ، وحرمتم الحلال ، ولأن أتغنى غنية ، أحب إلي من أن أقول في شيء برأيي . وقد ذكر الحافظ ابن عبد البر رحمه الله من هذا المعنى آثارا في ( جامع بيان العلم وفضله ) وقال : احتج من نفى القياس بهذه الآثار ومثلها . وقالوا في حديث معاذ : إن معناه أن يجتهد رأيه على الكتاب والسنة . وتكلم داود في إسناد حديث معاذ ودفعه من أجل أنه عن أصحاب معاذ ، ولم يسموا . قال الحافظ ابن عبد البر : وحديث معاذ صحيح مشهور ، رواه الأئمة العدول ، وهو أصل في الاجتهاد والقياس على الأصول . ثم قال : وسائر الفقهاء قالوا في هذه الآثار وما كان مثلها / في ذم القياس : إنه القياس على غير أصل ، أو القياس الذي يردّ به أصل ، والقول في دين الله بالظن . ألا ترى إلى قول من قال منهم : أول من قاس إبليس . لأن إبليس ردّ أصل العلم بالرأي الفاسد ، والقياس لا يجوز عند أحد ممن قال به إلا في رد الفروع إلى أصولها ، لا في رد الأصول بالرأي الفاسد ، والقياس لا يجوز عند أحد ممن قال به إلا في رد الفروع إلى أصولها ، لا في رد الأصول بالرأي والظن . وإذا صح النص من الكتاب والأثر ، بطل القياس : { وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة . . . } الآية{[3856]}- وأي أصل أقوى من أمر الله تعالى لإبليس بالسجود ، وهو العالم بما خلق منه آدم ، وما خلق منه إبليس ، ثم أمره بالسجود له فأبى واستكبر لعلة ليست بمانعة من أن يأمره الله بما يشاء ، فهذا ومثله لا يحل ولا يجوز . وأما القياس على الأصول ، والحكم للشيء بحكم نظيره ، فهذا ما لا يختلف فيه أحد من السلف ، بل كل من روي عنه ذم القياس قد وجد له القياس الصحيح منصوصا . لا يدفع هذا إلا جاهل أو متجاهل ، مخالف للسلف في الأحكام .
كنا من الدين قبل اليوم في سعة*** حتى ابتلينا بأصحاب المقاييس
قاموا من السوق إذ قلت مكاسبهم*** فاستعملوا الرأي عند الفقر والبوس
أما العريب فقوم لا عطاء لهم***وفي الموالي علامات المقاييس
فلقيه أبو حنيفة فقال : هجوتنا . نحن نرضيك . فبعث إليه بدراهم فقال :
إذا ما أهل مصر بادهونا*** بآبدة من الفتيا لطيفة
أتيناهم بمقياس صحيح*** صليب من طراز أبي حنيفة
إذا سمع الفقيه به وعاه*** وأثبته بحبر في صحيفه
قال ابن عبد البر : اتصلت هذه الأبيات ببعض أهل الحديث والنظر من أهل ذلك/ الزمن ، فقال :
إذا ذو الرأي خاصم عن قياس*** وجاء ببدعة منه سخيفه
أتيناهم بقول الله فيها*** وآثار مبرزة شريفه
هكذا حكاه ابن عبد البر في ( جامع فضل العلم ) . وله في ( باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والقياس على غير أصل ) مقالات سابغة جديرة بالمراجعة .
ومما ذكر فيه : أن أهل الحديث أفرطوا في أبي حنيفة ، وتجاوزوا الحد . قال : والسبب الموجب لذلك ، عندهم ، إدخاله الرأي والقياس على الآثار ، واعتبارهما . وأكثر أهل العلم يقولون : إذا صح الأثر . وكان ردّه من أخبار الآحاد بتأويل محتمل ، وكثير منه قد تقدمه إليه غيره ، وتابعه عليه مثله ممن قال بالرأي : وجل ما يوجد له من ذلك ما كان منه اتباعا لأهل بلده ، كإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود . إلا أنه أغرق هو وأصحابه في تنزيل النوازل ، والجواب فيها برأيهم واستحسانهم . فأتى منهم في ذلك خلاف كبير للسلف . ثم قال : وما أعلم أحدا من أهل العلم إلا وله تأويل في آية ، أو مذهب في سنة ، ردّ من أجل ذلك المذهب سنة أخرى بتأويل سائغ ، أو ادعاء نسخ . إلا أن لأبي حنيفة من ذلك كثيرا ، وهو يوجد لغيره قليل . وعن الليث بن سعد أنه قال : أحصيت على مالك ابن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، مما قال مالك فيها برأيه . قال : ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك . هذا كلام ابن عبد البر ملخصا .
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه : أنه روي عن علي وزيد أنهما احتجا بقياس ، فمن ادعى إجماعهم- أي الصحابة- على ترك العمل بالرأي والقياس ، مطلقا فقد غلط ، ومن ادعى أن من المسائل ما لم يتكلم فيها أحد منهم إلا بالرأي والقياس ، فقد غلط ، بل كان كل منهم يتكلم بحسب ما عنده من العلم ، فمن رأى دلالة الكتاب ذكرها ، ومن رأى دلالة الميزان ذكرها –انتهى- .
/ وقال ابن تيمية رحمه الله في فتوى أخرى : والصحابة كانوا يحتجون في عامة مسائلهم بالنصوص كما هو مشهور عنهم ، وكانوا يجتهدون رأيهم ويتكلمون بالرأي ، ويحتجون بالقياس الصحيح أيضا . والقياس الصحيح نوعان :
أحدهما : أن يعلم أنه لا فارق بين الفرع والأصل إلا فرقا غير مؤثر في الشرع ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح{[3857]} : " أنه سئل عن فأرة وقعت في سمن ، فقال : ألقوها وما حولها ، وكلوا سمنكم " . وقد أجمع المسلمون على أن هذا الحكم ليس مختصا بتلك الفأرة وذلك السمن ، فلهذا قال جماهير العلماء : إنه أي نجاسة وقعت في دهن من الأدهان كالفأرة التي تقع في الزيت ، وكالهر الذي يقع في السمن ، فحكمها حكم تلك الفأرة التي وقعت في السمن . ومن قال من أهل الظاهر : إن هذا الحكم لا يكون إلا في فأرة وقعت في سمن ، فقد أخطأ ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص الحكم بتلك الصورة ، لكن لما استفتي عنها أفتى فيها ، والاستفتاء إذا وقع عن قضية معينة أو عن نوع ، فأجاب المفتي عن ذلك ، خصه لكونه سئل عنه ، لا لاختصاصه بالحكم . ومثل هذا " أنه سئل عن رجل{[3858]} أحرم بالعمرة وعليه جبة مضمخة/ بخلوق فقال : انزع عنك الجبة الخلوق ، واصنع في عمرتك ما كنت تصنع في حجك " . فأجابه عن الجبة ، ولو كان عليه قميص أو نحوه ، كان الحكم كذلك بالإجماع .
والنوع الثاني من القياس : أن ينص على حكم لمعنى من المعاني ، ويكون ذلك المعنى موجودا في غيره ، فإذا قام دليل على أن الحكم متعلق بالمعنى المشترك بين الأصل والفرع سوي بينهما ، وكان هذا قياسا صحيحا . فهذان النوعان كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، يستعملونهما ، وهما من باب فهم مراد الشارع . فإن الاستدلال بكلام الشارع يتوقف على أن يعرف ثبوت اللفظ عنه ، وعلى أن يعرف مراده باللفظ . إذا عرفنا مراده ، فإن علمنا أنه حكم للمعنى المشترك ، لا لمعنى يخص الأصل ، أثبتنا أنا علمنا أن الحج خص به الكعبة ، وأن الصيام الفرض خص به شهر رمضان ، وأن الاستقبال خص به جهة الكعبة ، وأن المفروض من الصلوات خص به الخمس ، ونحو ذلك ، فإنه يمتنع هنا أن نقيس على المنصوص غيره . وإذا عين الشارع مكانا أو زمانا للعبادة ، كتعيين الكعبة وشهر رمضان ، أو عين بعض الأقوال والأفعال ، كتعيين القراءة في الصلاة ، والركوع والسجود ، بل وتعيين التكبير وأمّ القرآن ، فإلحاق غير المنصوص به يشبه حال أهل اليمن الذين أسقطوا تعيين الأشهر الحرم ، وقالوا : المقصود أربعة أشهر من السنة ، فقال تعالى : { إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به / الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله }{[3859]} . وقياس الحلال بالنص على الحرام بالنص ، من جنس قياس الذين قالوا : { إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا }{[3860]} . وكذلك قياس{[3861]} المشركين الذين قاسوا الميتة بالمذكى وقالوا أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله ؟ قال تعالى : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون }{[3862]} . فهذه الأقيسة الفاسدة ، وكل قياس دل النص على فساده فهو فاسد ، وكل من ألحق منصوصا بمنصوص يخالف حكمه ، فقياسه فاسد . وكل من سوّى بين شيئين أو فرق بين شيئين بغير الأوصاف المعتبرة في حكم الله ورسوله فقياس فاسد . لكن من القياس ما يعلم صحته ، ومنه ما يعلم فساده ، ومنه ما لم يتبين أمره ، فمن أبطل القياس مطلقا فقوله باطل . ومن استدل بالقياس المخالف للشرع فقوله باطل . / ومن استدل بقياس لم يقم الدليل على صحته ، فقد استدل بما لا يعلم صحته ، بمنزلة من استدل برواية رجل مجهول لا يعلم عدالته . فالحجج الأثرية والنظرية تنقسم إلى ما يعلم صحته ، وإلى ما يعلم فساده ، وإلى ما هو موقوف حتى يقوم الدليل على أحدها . ولفظ النص يراد به تارة ألفاظ الكتاب والسنة ، سواء كان اللفظ دلالته قطعية أو ظاهرة ، وهذا هو المراد من قول من قال : النصوص تتناول أفعال المكلفين . ويراد بالنص ما دلالته قطعية لا تحتمل النقيض ، كقوله : { تلك عشرة كاملة }{[3863]} . { والله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان }{[3864]} ، فالكتاب هو النص ، والميزان هو العدل ، والقياس الصحيح من باب العدل ، فإنه تسوية بين المتماثلين ، وتفريق بين المختلفين . ودلالة القياس الصحيح توافق دلالة النص ، فكل قياس خالف دلالة النص فهو قياس فاسد . ولا يوجد نص يخالف قياسا صحيحا ، كما لا يوجد معقول صريح يخالف المنقول الصحيح ، ومن كان متبحرا في الأدلة الشرعية ، أمكنه أن يستدل على غالب الأحكام/ بالنصوص وبالأقيسة ، فثبت أن كل واحد من النص والقياس دل على هذا الحكم كما ذكرناه من الأمثلة ، فإن القياس يدل على تحريم كل مسكر ، كما يدل النص على ذلك ، فإن الله حرم الخمر لأنها توقع بيننا العداوة والبغضاء ، وتصدنا عن ذكر الله وعن الصلاة ، كما دل القرآن على هذا المعنى . وهذا المعنى موجود في جميع الأشربة المسكرة ، لا فرق في ذلك بين شراب وشراب ، فالفرق بين الأنواع المشتركة من هذا الجنس تفريق بين المتماثلين ، وخروج عن موجب القياس الصحيح ، كما هو خروج عن موجب النصوص . وهم معترفون بأن قولهم خلاف القياس ، لكن يقولون : معنا آثار توافق ، اتبعناها ؛ ويقولون : إن اسم الخمر لم يتناول كل مسكر . وغلطوا في فهم النص ، وإن كانوا مجتهدين مثابين على اجتهادهم . ومعرفة عموم الأسماء الموجودة في النص وخصوصها ، من معرفة حدود ما أنزل الله على رسوله ، وقد قال تعالى{[3865]} : { الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله } والكلام في ترجيح نفاة القياس ومثبتيه يطول استقصاؤه ولا يحتمل المقام بسطه أكثر من هذا- والله أعلم- انتهى كلامه رحمه الله .