{ وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب* ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه } ، أي : على محمد صلى الله عليه وسلم { آية من ربه } ، أي : علامة وحجة على نبوته ، قال الله تعالى : { إنما أنت منذر } ، مخوف ، { ولكل قوم هاد } ، أي لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى . وقال الكلبي : داع يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة . وقال عكرمة : الهادي محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول : إنما أنت منذر وأنت هاد لكل قوم ، أي : داع . وقال سعيد بن جبير : الهادي هو الله تعالى .
ثم حكى - سبحانه - لوناً آخر من رذائلهم ، وهو عدم اعتدادهم بالقرآن الكريم ، الذي هو أعظم الآيات والمعجزات فقال - تعالى - : { وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لولا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ . . . }
و { لولا } هنا حرف تحضيض بمعنى هلا .
ومرادهم بالآية : معجزة كونية كالتى جاء بها موسى من إلقائه العصى فإذا هي حية تسعى ، أو كالتى جاء بها عيسى من إبرائه الأكمه والأبرص وإحيائه الموتى بإذن الله ، أو كما يقترحون هم من جعل جبل الصفا ذهباً . . .
لأن القرآن - في زعمهم - ليس كافياً لكونه معجزة دالة على صدقه - صلى الله عليه وسلم - .
أى : ويقول هؤلاء الكافرون الذين عموا وصموا على الحق واستعجلوا العذاب . هلا أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - آية أخرى غير القرآن الكريم تدل على صدقه .
ولقد حكى القرآن مطالبهم المتعنتة في آيات كثيرة ، منها قوله - تعالى - : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعاً . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنهار خِلالَهَا تَفْجِيراً . . . } وقد رد الله - تعالى - عليهم ببيان وظيفة النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ . . . } .
أى : أن وظيفتك - أيها الرسول الكريم - هي إنذار هؤلاء الجاحدين بسوء المصير ، إذا ما لجوا في طغيانهم ، وأصروا على كفرهم وعنادهم وليس من وظيفتك الإِتيان بالخوارق التي طلبوها منك .
وإنما قصر - سبحانه - هنا وظيفة النبى - صلى الله عليه وسلم - على الإِنذار ، لأنه هو المناسب لأحوال المشركين الذين أنكروا كون القرآن معجزة .
وقوله { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أى : ولكل قوم نبى يهديهم إلى الحق والرشاد بالوسلة التي يراها مناسبة لأحوالهم ، وأنا - أيها الرسول الكريم - قد جئتهم بهذا القرآن الكريم الهادى للتى هي أقوم . والذى هو خير وسيلة لإِرشاد الناس إلى ما يسعدهم في دينهم ودنياهم وآخرتهم .
قال الشيخ القاسمى : " أو المعنى : ولكل قوم هاد عظيم الشأن ، قادر على هدايتهم . هو الله - تعالى - فما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم كما قال - تعالى - { لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ . . . } أو المعنى : { وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ } أى : قائد يهديهم إلى الرشد ، وهو الكتاب المنزل عليهم ، الداعى بعنوان الهداية إلى ما فيه صلاحهم .
يعنى : أن سر الإِرسال وآيته الفريدة إنما هو الدعاء إلى الهدى ، وتبصير سبله ، والإِنذار من الاسترسال في مساقط الردى . وقد أنزل عليك من الهدى أحسنه ، فكفى بهدايته آية كبرى وخارقة عظمى . وأما الآيات المقترحة فأمرها إلى الله وحده . . .
ثم يمضي السياق في التعجيب من أمر القوم ، الذين لا يدركون كل تلك الآيات الكونية ، فيطلبون آية واحدة ينزلها الله على رسوله . آية واحدة والكون حولهم كله آيات :
( ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه ! إنما أنت منذر ، ولكل قوم هاد ) . .
إنهم يطلبون خارقة . والخوارق ليست من عمل الرسول ولا اختصاصه . إنما يبعث بها الله معه ، حين يرى بحكمته أنها لازمة . ( إنما انت منذر )محذر ومبصر . شأنك شأن كل رسول قبلك ، فقد بعث الله الرسل للأقوام للهداية ( ولكل قوم هاد )فأما الآيات الخارقة فأمرها إلى مدبر الكون والعباد .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلآ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ إِنّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ } .
يقول تعالى ذكره : وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا يا محمد من قومك ، لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبّهِ هلا أنزل على محمد آية من ربه يعنون : علامة وحُجة له على نبوّته ، وذلك قولهم : لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ يقول الله له : يا محمد إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ لهم ، تنذرهم بأس الله أن يحلّ بهم على شركهم . وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ : يقول ولكلّ قوم إمام يأتمون به وهاد يتقدّمهم ، فيهديهم إما إلى خير وإما إلى شرّ . وأصله من هادي الفَرَس ، وهو عنقه الذي يهدي سائر جسده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في المغنيّ بالهادي في هذا الموضع ، فقال بعضهم : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبّهِ هذا قول مشركي العرب ، قال الله : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْمٍ هادٍ لكلّ قوم داعٍ يدعوهم إلى الله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن السّديّ ، عن عكرمة ومنصور ، عن أبي الضحى : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قالا : محمد هو المنذر وهو الهاد .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن السديّ ، عن عكرمة ، مثله .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن عكرمة ، مثله .
وقال آخرون : عُنى بالهادي في هذا الموضع : الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : محمد المنذر ، والله الهادي .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلٍ قَوْمٍ هادٍ قال محمد المنذر ، والله الهادي .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا الأشجعيّ ، عن سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ قال : أنت يا محمد منذر ، والله الهادي .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد في قوله : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : المنذر : النبيّ صلى الله عليه وسلم . وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : الله هادي كلّ قوم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ يقول : أنت يا محمد منذر وأنا هادي كل قوم .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ المنذر : محمد صلى الله عليه وسلم ، والهادي : الله عزّ وجل .
وقال آخرون : الهادي في هذا الموضع معناه نبيّ . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : المنذر محمد صلى الله عليه وسلم . وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : نبيّ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بَزّة ، عن مجاهد في قوله : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : نبيّ .
قال : حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قوله : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمِ هادٍ قال : لكلّ قوم نبيّ ، والمنذر : محمد صلى الله عليه وسلم .
قال : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثني عبد الملك ، عن قيس ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : نبيّ .
قال : حدثنا شبابة ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ يعني : لكلّ قوم نبيّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : نبيّ .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : نبيّ يدعوهم إلى الله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : لكلّ قوم نبيّ ، الهادي : النبيّ صلى الله عليه وسلم ، والمنذر أيضا : النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقرأ : وَإنْ مِنْ أُمّةٍ إلاّ خَلا فِيها نَذِيرٌ . وقال : نَذِيرٌ مِنَ النّذُرِ الأُولى قال : نبيّ من الأنبياء .
وقال آخرون : بل عُني به : ولكلّ قوم قائد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : إنما أنت يا محمد منذر ، ولكلّ قوم قادة .
قال : حدثنا الأشجعيّ ، قال : ثني إسماعيل أو سفيان ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : لكلّ قوم قادة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : الهادي : القائد ، والقائد : الإمام ، والإمام : العمل .
حدثني الحسن ، قال : حدثنا محمد ، وهو ابن يزيد ، عن إسماعيل ، عن يحيى بن رافع ، في قوله : إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : قائد .
وقال آخرون : هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أحمد بن يحيى الصوفيّ ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين الأنصاري ، قال : حدثنا معاذ بن مسلم ، حدثنا الهروي ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت إنّمَا أنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلّ قَومٍ هادٍ وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدره ، فقال : «أنَا المُنْذِرُ وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ » ، وأومأ بيده إلى منكب عليّ ، فقال : «أنْتَ الهادِي يا عَليّ ، بك يَهْتَدِي المُهْتَدُون بَعْدِي » .
وقال آخرون : معناه : لكلّ قوم داع . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَلِكُلّ قَوْمٍ هادٍ قال : داع .
وقد بيّنت معنى الهداية ، وأنه الإمام المتبع الذي يقدمُ القوم . فإذا كان ذلك كذلك ، فجائز أن يكون ذلك هو الله الذي يهدي خلقه وَيَتْبِعُ خلقه هداه ويأتمون بأمره ونهيه ، وجائز أن يكون نبيّ الله الذي تأتمّ به أمته ، وجائز أن يكون إماما من الأئمة يؤتمّ به ويتبع مِنهاجَه وطريقته أصحابه ، وجائز أن يكون داعيا من الدّعاة إلى خير أو شرّ .
وإذا كان ذلك كذلك ، فلا قول أولى في ذلك بالصواب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه : إن محمدا هو المنذر مَن أُرْسِل إليه بالإنذار ، وإن لكلّ قوم هاديا يهديهم فيتبعونه ويأتمون به .
{ ويقول الذين كفروا لولا أُنزل عليه آية من ربه } لعدم اعتدادهم بالآيات المنزلة عليه واقتراحا لنحو ما أوتي موسى وعيسى عليهما السلام . { إنما أنت منذرٌ } مرسل للإنذار كغيرك من الرسل وما عليك إلا الإتيان بما تصح به نبوتك من جنس المعجزات لا بما يقترح عليك . { ولكل قوم هاد } نبي مخصوص بمعجزات من جنس ما هو الغالب عليهم يهديهم إلى لاحق ويدعوهم إلى الصواب ، أو قادر على هدايتهم وهو الله تعالى لكن لا يهدي إلا من يشاء هدايته بما ينزل عليك من الآيات .
عطف على جملة { ويستعجلونك بالسيئة } الآية . وهذه حالة من أعجوباتهم وهي عدم اعتدادهم بالآيات التي تأيّد بها محمّد صلى الله عليه وسلم وأعظمها آيات القرآن ، فلا يزالون يسألون آية كما يقترحونها ، فله اتصال بجملة { ولكن أكثر الناس لا يؤمنون } [ هود : 17 ] .
ومرادهم بالآية في هذا خارق عادة على حساب ما يقترحون ، فهي مخالفة لما تقدم في قوله : { ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة } لأن تلك في تعجيل ما توعدهم به ، وما هنا في مجيء آية تؤيده كقولهم : { لولا أنزل عليه ملك } [ الأنعام : 8 ] .
ولكون اقتراحهم آية يُشفّ عن إحالتهم حصولها لجهلهم بعظيم قدرة الله تعالى سيق هذا في عداد نتائج عظيم القدرة ، كما دل عليه قوله تعالى في سورة الأنعام : { وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون } [ الأنعام : 36 ] فبذلك انتظم تفرع الجمل بعضها على بعض وتفرع جميعها على الغرض الأصلي .
والذين كفروا هم عين أصحاب ضمير { يستعجلونك } ، وإنما عدل عن ضميرهم إلى اسم الموصول لزيادة تسجيل الكفر عليهم ، ولما يومىءُ إليه الموصول من تعليل صدور قولهم ذلك .
وصيغة المضارع تدل على تجدد ذلك وتكرره .
و { لولا } حرف تحضيض . يموهون بالتحضيض أنهم حريصون وراغبون في نزول آية غير القرآن ليؤمنوا ، وهم كاذبون في ذلك إذ لو أوتوا آية كما يقترحون لكفروا بها ، كما قال تعالى : { وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون } [ الإسراء : 59 ] .
وقد رد الله اقتراحهم من أصله بقوله : { إنما أنت منذر } ، فقصر النبي صلى الله عليه وسلم على صفة الإنذار وهو قصر إضافي ، أي أنت منذر لا مُوجد خوارق عادٍ . وبهذا يظهر وجه قصره على الإنذار دون البشارة لأنه قصر إضافي بالنسبة لأحواله نحو المشركين .
وجملة { ولكل قوم هاد } تذييل بالأعم ، أي إنما أنت منذر لهؤلاء لهدايتهم ، ولكل قوم هاد أرسله الله ينذرهم لعلهم يهتدون ، فما كنت بِدعاً من الرسل وما كان للرسل من قبلك آيات على مقترح أقوامهم بل كانت آياتهم بحسب ما أراد الله أن يظهر على أيديهم . على أن معجزات الرسل تأتي على حسب ما يلائم حال المرسل إليهم .
ولما كان الذين ظهرت بينهم دعوة محمد صلى الله عليه وسلم عرباً أهل فصاحة وبلاغة جعل الله معجزته العظمى القرآن بلسان عربي مبين . وإلى هذا المعنى يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيتُ وحَيْا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة " .
وبهذا العموم الحاصل بالتذييل والشامل للرسول عليه الصلاة والسلام صار المعنى إنما أنت منذر لقومك هادٍ إياهم إلى الحق ، فإن الإنذار والهدي متلازمان فما من إنذار إلاّ وهو هداية وما من هداية إلا وفيها إنذار ، والهداية أعمّ من الإنذار ففي هذا احتباك بديع .
وقرأ الجمهور { هادٍ } بدون ياء في آخره في حالتي الوصل والوقف . أما في الوصل فلالتقاء الساكنين سكون الياء وسكون التنوين الذي يجب النطق به في حالة الوصل ، وأما في حالة الوقف فتبعا لحالة الوصل ، وهو لغة فصيحة وفيه متابعة رسم المصحف .
وقرأه ابن كثير في الوصل مثل الجمهور . وقرأه بإثبات الياء في الوقف لزوال مُوجب حذف الياء وهو لغة صحيحة .