معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

ثم يقال له : { ذق } هذا العذاب ، { إنك } قرأ الكسائي : ( أنك ) بفتح الألف ، أي لأنك كنت تقول : أنا العزيز الكريم ، وقرأ الآخرون : بكسرها على الابتداء ، { أنت العزيز الكريم } عند قومك بزعمك ، وذلك أن أبا جهل كان يقول : أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم ، فتقول له هذا اللفظ خزنة النار ، على طريق الاستحقار والتوبيخ .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

ثم قولوا له بعد ذلك على سبيل التهكم به ، والتقريع له : { ذُقْ } أي : تذوق شدة هذا العذاب ؛ فالأمر للإِهانة .

{ إِنَّكَ } كنت تزعم فى الدنيا ، بأنك { إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم } .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

( ذق . إنك أنت العزيز الكريم ) . .

وهذا جزاء العزيز الكريم في غير ما عزة ولا كرامة ، فقد كان ذلك على الله وعلى المرسلين !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذُقْ إِنّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنّ هََذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : يقال لهذا الأثيم الشقيّ : ذق هذا العذاب الذي تعذّب به اليوم إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ في قومك الكَرِيمُ عليهم . وذُكر أن هذه الايات نزلت في أبي جهل بن هشام . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ثُمّ صُبّوا فَوْقَ رأسِهِ مِنْ عَذَابِ الحَمِيمِ . نزلت في عدوّ الله أبي جهل لقي النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخذه فهزّه ، ثم قال : أولى لك يا أبا جهل فأولى ، ثم أولى لك فأولى ، ذق إنك أنت العزيز الكريم ، وذلك أنه قال : أيوعدني محمد ، والله لأنا أعزّ من مشى بين جبليها . وفيه نزلت : وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِما أوْ كَفُورا ، وفيه نزلت : كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ . وقال قتادة : نزلت في أبي جهل وأصحابه الذين قتل الله تبارك وتعالى يوم بدر : ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ بَدّلُوا نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرا وأَحَلّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : نزلت في أبي جهل : خُذوهُ فاعْتِلُوهُ . قال قتادة ، قال أبو جهل : ما بين جبليها رجل أعزّ ولا أكرم مني ، فقال الله عزّ وجلّ : ذُقْ إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الكَرِيمُ .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : خُذُوهُ فاعْتِلُوهُ إلى سَوَاءِ الجَحِيمِ قال : هذا لأبي جهل .

فإن قال قائل : وكيف قيل وهو يهان بالعذاب الذي ذكره الله ، ويذلّ بالعتل إلى سواء الجحيم : إنك أنت العزيز الكريم ؟ قيل : إن قوله : إنّكَ أنْتَ العَزيزُ الكَرِيمُ غير وصف من قائل ذلك له بالعزّة والكرم ، ولكنه تقريع منه له بما كان يصف به نفسه في الدنيا ، وتوبيخ له بذلك على وجه الحكاية ؛ لأنه كان في الدنيا يقول : إنك أنت العزيز الكريم ، فقيل له في الاخرة ، إذ عذّب بما عُذّب به في النار : ذُق هذا الهوان اليوم ، فإنك كنت تزعم أنك أنت العزيز الكريم ، وإنك أنت الذليل المهين ، فأين الذي كنت تقول وتدّعي من العزّ والكرم ، هلا تمتنع من العذاب بعزّتك .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا صفوان بن عيسى قال حدثنا ابن عجلان عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال كعب : لله ثلاثة أثواب : اتّزر بالعزّ ، وتَسَربل الرحمة ، وارتدى الكبرياء تعالى ذكره ، فمن تعزّز بغير ما أعزّه الله فذاك الذي يقال : ذق إنك أنت العزيز الكريم ، ومن رحم الناس فذاك الذي سربل الله سرباله الذي ينبغي له ، ومن تكبر فذاك الذي نازع الله رداءه إن الله تعالى ذكره يقول : «لا ينبغي لمن نازعني ردائي أن أدخله الجنة » جلّ وعزّ . وأجمعت قرّاء الأمصار جميعا على كسر الألف من قوله : ذُقْ إنّكَ على وجه الابتداء . وحكاية قول هذا القائل : إني أنا العزيز الكريم . وقرأ ذلك بعض المتأخرين «ذُقْ أَنّكَ » بفتح الألف على إعمال قوله : ذُقْ في قوله : أنّكَ كأنك معنى الكلام عنده : ذق هذا القول الذي قلته في الدنيا .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا كسر الألف من إنّكَ على المعنى الذي ذكرت لقارئه ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه ، وشذوذ ما خالفه ، وكفى دليلاً على خطأ قراءة خلافها ، ما مضت عليه الأئمة من المتقدمين والمتأخرين ، مع بُعدها من الصحة في المعنى وفراقها تأويل أهل التأويل .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

{ ذق إنك أنت العزيز الكريم } أي وقولوا له ذلك استهزاء به وتقريعا على ما كان يزعمه ، وقرأ الكسائي " أنك " بالفتح أي ذق لأنك أو { عذاب } { أنك } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

وقوله تعالى : { ذق ، إنك أنت العزيز الكريم } مخاطبة على معنى هذا التقريع ، ويروى عن قتادة أن أبا جهل لما نزلت : { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } [ الدخان : 43-44 ] قال أيتهددني محمد وأنا ما بين جبليها أعز مني وأكرم ، فنزلت هذه الآيات ، وفي آخرها : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } أي على قولك ، وهذا كما قال جرير :

ألم يكن في وسوم قد وسمت بها . . . من خان موعظة يا زهرة اليمن

يقولها للشاعر الذي سمى نفسه به ، وذلك في قوله :

أبلغ كليباً وأبلغ عنك شاعرها . . . أني الأعز وأني زهرة اليمن{[10246]}

فجاء بيت جرير على هذا الهزء .

وقرأ الجمهور : «إنك » بكسر الهمزة . وقرأ الكسائي وحده : «أنك » بفتح الألف ، والمعنى واحد في المقصد وإن اختلف المأخذ إليه ، وبالفتح قرأها على المنبر الحسين بن علي بن أبي طالب ، أسنده إليه الكسائي وأتبعه فيها .


[10246]:كان جرير قاسيا في هجائه، وقد تجمع عليه عدد كبير من الشعراء يهجونه ويعيرونه بفقره، لكنه غلبهم وأخزاهم، وهذا شاعر من بني الحارث بن كعب قال شعرا يذم في كليبا قبيلة جرير، ويقول له: إني الأعز وإني زهرة اليمن، ورد عليه جرير بسبعة أبيات أولها هذا البيت الذي استشهد به ابن عطية، والأبيات في الديوان، والرواية فيه:(يا حارث اليمن) بدلا من (زهرة اليمن)، والوسم: أثر الكي بالنار، وحان الرجل: هلك، والمقصود به هنا الشاعر الذي يهجوه جرير، يقول له: ألم تكن لك موعظة في الشعر الذي هجوت به من قبل فكان كالنار التي أكويك بها وأقضي عليك يا من تسمي نفسك زهرة اليمن؟ ثم يقول له فيما بعد ذلك من أبيات: إن قصائدي قد ملأت الدنيا وامتدت فيما بين مصر وعدن، إلى أن يقول: أمسى سراة بني الديان ناصية واللؤم يأوي إليكم يا بني قطن وبنو قطن: قوم من بني الحارث بن كعب. والشاهد في البيت المذكور هنا هو المخاطبة على معنى التقريع والسخرية.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

جملة { ذق إنك أنت العزيز الكريم } مقول قول آخر محذوف تقديره : قولوا له أو يقال له .

والذوق مستعار للإحساس وصيغة الأمر مستعملة في الإهانة .

وقوله : { إنك أنت العزيز الكريم } خبر مستعمل في التهكم بعلاقة الضدّية . والمقصود عكس مدلوله ، أي أنت الذليل المهان ، والتأكيد للمعنى التهكمي . وقرأه الجمهور بكسر همزة { إنك } . وقرأه الكسائي بفتحها على تقدير لام التعليل وضمير المخاطب المنفصل في قوله : { أنت } تأكيد للضمير المتصل في { إنك } ولا يؤكد ضمير النصب المتصل إلا بضمير رفع منفصل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ذق} العذاب أيها المتعزز المتكرم، يوبخه ويصغره بذلك.

{إنك} زعمت في الدنيا، {أنت العزيز}، يعني المنيع.

{الكريم} يعني المتكرم.

قال: فكان أبو جهل يقول في الدنيا: أنا أعز قريش وأكرمها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: يقال لهذا الأثيم الشقيّ: ذق هذا العذاب الذي تعذّب به اليوم "إنّكَ أنْتَ العَزِيزُ "في قومك "الكَرِيمُ" عليهم. وذُكر أن هذه الآيات نزلت في أبي جهل بن هشام...

وذلك أنه قال: أيوعدني محمد، والله لأنا أعزّ من مشى بين جبليها. [يقصد مكة]...

فإن قال قائل: وكيف قيل وهو يهان بالعذاب الذي ذكره الله، ويذلّ بالعتل إلى سواء الجحيم: إنك أنت العزيز الكريم؟ قيل: إن قوله: "إنّكَ أنْتَ العَزيزُ الكَرِيمُ" غير وصف من قائل ذلك له بالعزّة والكرم، ولكنه تقريع منه له بما كان يصف به نفسه في الدنيا، وتوبيخ له بذلك على وجه الحكاية؛ لأنه كان في الدنيا يقول: إنك أنت العزيز الكريم، فقيل له في الآخرة، إذ عذّب بما عُذّب به في النار: ذُق هذا الهوان اليوم، فإنك كنت تزعم أنك أنت العزيز الكريم، وإنك أنت الذليل المهين، فأين الذي كنت تقول وتدّعي من العزّ والكرم، هلا تمتنع من العذاب بعزّتك.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

يحتمل أن يكون هذا في كل كافر يتعزّز في الدنيا ويتكرّم وكل رئيس منهم...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

قال قتادة: نزلت في أبي جهل، وفيه أربعة أوجه:

أحدها: معناه أنك لست بعزيز ولا كريم؛ لأنه قال توعدني محمد، والله إني لأعز من مشى بين جبليها، فرد الله عليه قوله، قاله قتادة.

الثاني: أنك أنت العزيز الكريم عند نفسك، قاله قتادة أيضاً.

الثالث: أنه قيل له ذلك استهزاء على جهة الإهانة، قاله سعيد بن جبير.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

يجوز ان يكون على معنى النقيض، كأنه قيل: إنك انت الذليل المهين إلا أنه قيل على تلك الجهة للتبعيد منها على وجه الاستخفاف به...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما علم بهذا أنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً، بل وصل إلى غاية الهوان، دل عليه بالتهكم بما كان يظن في نفسه من العظمة التي كانت يترفع بها في الدنيا على أوامر الله، فقيل بناء على ما تقديره: يفعل به ذلك مقولاً له: {ذق} أي من هذا أوصلك إليه تغررك على أولياء الله.

ولما كان أولياء الله من الرسل وأتباعهم يخبرون في الدنيا أنه -لإبائه أمر الله- هو الذليل، وكان هذا الأثيم وأتباعه يكذبون بذلك ويؤكدون قولهم المقتضي لعظمته لإحراق أكباد الأولياء حكى له قولهم على ما كانوا يلفظون به زيادة في تعذيبه بالتوبيخ والتقريع معللاً للأمر بالذوق: {إنك} وأكد بقوله: {أنت} وحدك دون هؤلاء الذين يخبرون بحقارتك.

{العزيز} أي- الذي يغلب ولا يغلب.

{الكريم} أي الجامع إلى الجود شرف النفس وعظم الإباء، فلا تنفعك عن ستر مساوئ الأخلاق بإظهار معاليها فلست بلئيم أي بخيل مهين النفس خسيس الإباء فهو كناية عن مخاطبته بالخسة مع إقامة الدليل على ذلك بما هو فيه من المهالك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذا جزاء العزيز الكريم في غير ما عزة ولا كرامة، فقد كان ذلك على الله وعلى المرسلين!

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

بعد كلّ أنواع العذاب الجسمي هذه، تبدأ العقوبات الروحية والنفسية، فيقال لهذا المجرم المتمرد العاصي الكافر: (ذق إنّك أنت العزيز الكريم).