الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ذُقۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡكَرِيمُ} (49)

ثم قال : { وإنك أنت العزيز الكريم } أي : يقال له ذق هذا العذاب إنك أنت{[62297]} كنت العزيز في قومك .

قال قتادة : نزلت هذه الآية{[62298]} في أبي جهل عدو الله لقي النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم فهزه ، ثم قال : " أولى لك{[62299]} يا أبا جهل ، ثم أولى لك فأولى " فقال{[62300]} أبو جهل أيوعدني{[62301]} محمد ، لأنا{[62302]} أعز من يمشي بين جبليها . فنزلت { ذق إنك أنت العزيز الكريم } أي : المدعي ذلك{[62303]} ، وفيه نزلت : { ولا تطع منهم آثما أو كفورا }{[62304]} / ، وفيه نزلت : { كلا لا تطعه واسجد واقترب }{[62305]} .

فالمعنى : دق عذاب الله ، إنك أنت العزيز عند نفسك ، الكريم فيما كنت تقول .

وقوله ( ذق ) عند من كسر ( إن ) واقع على محذوف وهو العذاب . فأما من فتح ( أن ){[62306]} فمعناه مثل ذلك : ذق العذاب لأنك وبأنك كنت تقول : أنا العزيز الكريم{[62307]} .

وهذا كلام معناه التقريع{[62308]} والتوبيخ وليس بمدح له ، إنما هو على طريق الحكاية لما كان يدعي في الدنيا من العزة والكرم ، إذ كان يقول : أنا العزيز الكريم ، فقرع{[62309]} به عند حلول العذاب به إذ صار{[62310]} في ذلة وهوان . فكأنه قيل له : ذق هذا{[62311]} العذاب إنك كنت تقول{[62312]} : أنا العزيز الكريم ، فأنت الآن الذليل المهان{[62313]} . فأين ما كنت تقول في الدنيا . وذلك أشد لنكا له{[62314]} وحسرته .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فقال له : " إن الله أمرني أن أقول لك { أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى }{[62315]} " فقال له أبو جهل : واللات{[62316]} لا تملك{[62317]} لي نفعا ولا ضرا{[62318]} وإني لأمنع أهل البطحاء ، وإني لأعز وأكرم{[62319]} فأنزل الله تبارك وتعالى ما هو صانع به يوم القيامة ، وما يقال له{[62320]} جوابا لقوله : أنا أعز وأكرم ، فقال له : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } عند نفسك ، وأنت الذليل المهان عند الله .


[62297]:في طرة (ت).
[62298]:(ت): (الآيات).
[62299]:ساقط من (ت).
[62300]:(ح): قال.
[62301]:(ت): أوعذني.
[62302]:(ح): (والله لأنا).
[62303]:أخرجه الطبري في جامع البيان 25/80 وانظره أيضا في المحرر الوجيز 14/300، وأسباب النزول 253، وجامع القرطبي 16/151، ولباب النقول 795. وأضاف السيوطي في الدر المنثور تخريجه إلى عبد بن حميد 7/419 كلهم على قتادة.
[62304]:الإنسان آية 24.
[62305]:العلق آية 20. وانظر جامع البيان 25/80.
[62306]:قرأ الكسائي (ذق أنك) بالفتح مسندا ذلك إلى الحسين ابن علي بن أبي طالب وقرأ الباقون (إنك) بالكسر. انظر الكشف 2/264، وحجة القراءات 657، والسبعة 593، ومعاني الزجاج 4/428، والمحرر الوجيز 14/301، وسراج القارئ 351، وغيث النفع 350.
[62307]:انظر إعراب النحاس 4/135، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/361 حيث ذكرا هذين الوجهين الإعرابيين الناجمين عن اختلاف القراءتين.
[62308]:(ت): (اتقريع).
[62309]:(ح): (فقرعه).
[62310]:(ت): (سار).
[62311]:(ت): هذه.
[62312]:(ح): تقول في الدنيا.
[62313]:(ح): (المهين).
[62314]:(ت): (أنكاله).
[62315]:القيامة الآيتين 33 و34.
[62316]:واللات: ضم كانت تعبده ثقيف. انظر نهاية الأرب 452.
[62317]:(ح): (ما تملك).
[62318]:(ح): (ضرا ولا نفعا).
[62319]:قال السيوطي في الدر المنثور 7/418 أخرجه الأموي في مغازيه عن عكرمة مرفوعا وانظره أيضا في جامع القرطبي 16/151 وتفسير ابن كثير 4/147.
[62320]:ساقط من (ح).