قوله تعالى : { وبينهما حجاب } ، يعني : بين الجنة والنار ، وقيل : بين أهل الجنة وبين أهل النار حجاب ، وهو السور الذي ذكر الله تعالى في قوله : { فضرب بينهم بسور له باب } [ الحديد : 13 ] .
قوله تعالى : { وعلى الأعراف رجال } ، والأعراف هي ذلك السور الذي بين الجنة والنار ، وهي جمع عرف ، وهو اسم للمكان المرتفع ، ومنه عرف الديك لارتفاعه عما سواه من جسده . وقال السدي : سمي ذلك السور أعرافاً لأن أصحابه يعرفون الناس . واختلفوا في الرجال الذين أخبر الله عنهم على الأعراف : فقال حذيفة وابن عباس : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار ، فوقفوا هناك حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ، ثم يدخلون الجنة بفضل رحمته ، وهم آخر من يدخل الجنة .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، ثنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، ثنا محمد بن يعقوب الكسائي ، ثنا عبد الله بن محمود ، ثنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، ثنا عبد الله بن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي قال : قال سعيد بن جبير ، يحدث عن ابن مسعود قال : " يحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار ، ثم قرأ قول الله تعالى : { فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم } [ الأعراف : 8-9 ] . ثم قال : إن الميزان يخف بمثقال حبة أو يرجح . قال : ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف ، فوقفوا على الصراط ، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا سلام عليكم ، وإذا صرفوا أبصارهم إلى أصحاب النار قالوا { ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين } ، فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نورًا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويعطى كل عبد يومئذ نورًا ، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة ، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا { ربنا أتمم لنا نورنا } . فأما أصحاب الأعراف فإن النور لم ينزع من بين أيديهم ، ومنعتهم سيئاتهم أن يمضوا ، فبقي في قلوبهم الطمع إذ لم ينزع النور من بين أيديهم ، فهنالك يقول الله : { لم يدخلوها وهم يطمعون } ، وكان الطمع النور الذي بين أيديهم ، ثم أدخلوا الجنة ، وكانوا آخر أهل الجنة دخولاً . وقال شرحبيل بن سعد : أصحاب الأعراف قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم . ورواه مقاتل في تفسيره مرفوعًا قال : هم رجال غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم ، فقتلوا ، فأعتقوا من النار بقتلهم في سبيل الله ، وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم ، فهم آخر من يدخل الجنة . وروي عن مجاهد : أنهم أقوام رضي عنهم أحد الأبوين دون الآخر يحبسون على الأعراف إلى أن يقضي الله بين الخلق ، ثم يدخلون الجنة . وقال عبد العزيز بن يحيى الكتاني : هم الذين ماتوا في الفترة ولم يبدلوا دينهم ، وقيل : هم أطفال المشركين ، وقال الحسن : هم أهل الفضل من المؤمنين ، علوا على الأعراف فيطلعون على أهل الجنة وأهل النار جميعًا ، ويطالعون أحوال الفريقين .
قوله تعالى : { يعرفون كلا بسيماهم } ، أي يعرفون أهل الجنة ببياض وجوههم وأهل النار بسواد وجوههم .
قوله تعالى : { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم } ، أي : إذا رأوا أهل الجنة قالوا سلام عليكم .
قوله تعالى : { لم يدخلوها } ، يعني : أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة .
قوله تعالى : { وهم يطمعون } ، في دخولها ، قال أبو العالية : ما جعل الله ذلك الطمع فيهم إلا كرامة يريد بهم ، قال الحسن : الذي جعل الطمع في قلوبهم يوصلهم إلى ما يطمعون .
ثم ينتقل القرآن إلى الحديث عن مشهد آخر من مشاهد يوم القيامة ، يحدثنا فيه عن أصحاب الأعراف وما يدور بينهم وبين أهل الجنة وأهل النار من حوار فيقول :
{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أى : بين أهل الجنة وأهل النار حجاب يفصل بينهما ، ويمنع وصول أحد الفريقين إلى الآخر .
ويرى بعض العلماء أن هذا الحجاب هو السور الذي ذكره الله في قوله - تعالى - في سورة الحديد : { يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات لِلَّذِينَ آمَنُواْ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب } ثم قال - تعالى - : { وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الجنة أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } .
الأعراف : جمع عرف ، وهو المكان المرتفع من الأرض وغيرها . ومنه عرف الديك وعرف الفرس وهو الشعر الذي يكون في أعلى الرقبة .
والمعنى : وبين الجنة والنار حاجز يفصل بينهما وعلى أعراف هذا الحاجز - أى في أعلاه - رجال يرون أهل الجنة وأهل النار فيعرفون كلا منهم بسيماهم وعلاماتهم التي وصفهم الله بها في كتابه كبياض الوجوه بالنسبة لأهل الجنة ، وسوادها بالنسبة لأهل النار ، ونادى أصحاب الأعراف أصحاب الجنة عند رؤيتهم لهم بقولهم : سلام عليكم وتحية لكم { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } .
هذا ، وللعلماء أقوال في أصحاب الأعراف أوصلها بعض المفسرين إلى اثنى عشر قولا من أشهرها قولان :
أولهما : أن أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، وقد روى هذا القول عن حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف .
وقد استشهد أصحاب هذا القول بما رواه ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن استوت حسناتهم وسيئاتهم فقال : " أولئك أصحاب الأعراف ، لم يدخلوها وهم يطمعون " " .
وعن الشعبى عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف فقال : " هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقعدت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وخلفت بهم حسناتهم عن النار . قال : فوقفوا هناك على السور حتى يقضى الله فيهم " .
وهناك آثار أخرى تقوى هذا الرأى ذكرها الإمام ابن كثير في تفسيره .
أما الرأى الثانى : فيرى أصحابه أن أصحاب الأعراف قوم من أشرف الخلق وعدولهم كالأنبياء والصديقين والشهداء . وينسب هذا القول إلى مجاهد وإلى أبى مجلز فقد قال مجاهد : " أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء " وقال أبو مجلز : أصحاب الأعراف هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار .
ومعنى كونهم رجالا - في قول أبى مجلز أى : في صورتهم .
وقد رجح بعض العلماء الرأى الثانى فقال : " وليس أصحاب الأعراف ممن تساوت حسناتهم وسيئاتهم كما جاء في بعض الروايات ، لأن ما نسب إليهم من أقوال لا يتفق مع انحطاط منزلتهم عن أهل الجنة ، انظر قولهم للمستكبرين :
{ مَآ أغنى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ } فإن هذا الكلام لا يصدر إلا من أرباب المعرفة الذين اطمأنوا إلى مكانتهم . ولذا أرجح أن رجال الأعراف هم عدول الأمم والشهداء على الناس ، وفى مقدمتهم الأنبياء والرسل " .
والذى نراه : أن هناك حجاباً بين الجنة والنار ، الله أعلم بحقيقته ، وأن هذا الحجاب لا يمنع وصول الأصوات عن طريق المناداة ، وأن هذا الحجاب من فوقه رجال يرون أهل الجنة وأهل النار فينادون كل فريق بما يناسبه ، يحيون أهل الجنة ويقرعون أهل النار ، وأن هؤلاء الرجال - يغلب على ظننا - أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم . لأن هذا القول هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف ، ولأن آثار تؤيده ، ولذا قال ابن كثير : " واختلفت عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف من هم ؟ وكلها قريبة ترجع إلى معنى واحد ، وهو أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مسعود وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله " .
وقوله : { لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } فيه وجهان :
أحدهما : أنه في أصحاب الأعراف ، أى أن أصحاب الأعراف عندما رأوا أهل الجنة سلموا عليهم حال كونهم - أى أصحاب الأعراف - لم يدخلوها معهم وهم طامعون في دخولها مترقبون له .
وثانيهما : أنه في أصحاب الجنة : أى : أنهم لم يدخلوها بعد ، وهم طامعون في دخولها لما ظهر لهم من يسر الحساب . وكريم اللقاء .
ثم يتوجه النظر إلى المشهد من ظاهره . فإذا هنالك حاجز يفصل بين الجنة والنار ؛ عليه رجال يعرفون اصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماهم وعلاماتهم . . فلننظر من هؤلاء ، وما شأنهم مع أصحاب الجنة وأصحاب النار ؟
( وبينهما حجاب ، وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم . ونادوا أصحاب الجنة : أن سلام عليكم . . لم يدخلوها وهم يطمعون . وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم ، قالوا : ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون . أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ؟ ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون ) . .
روي أن هؤلاء الرجال الذين يقفون على الأعراف - الحجاب الحاجز بين الجنة والنار - جماعة من البشر ، تعادلت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تصل بهم تلك إلى الجنة مع أصحاب الجنة ، ولم تؤد بهم هذه إلى النار مع أصحاب النار . . وهم بين بين ، ينتظرون فضل الله ويرجون رحمته . . وهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم - ربما ببياض الوجوه ونضرتها أو بالنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم - ويعرفون أهل النار بسيماهم - ربما بسواد الوجوه وقترتها ، أو بالوسم الذي على أنوفهم التي كانوا يشمخون بها في الدنيا ، كالذي جاء في سورة القلم : ( سنسمه على الخرطوم ) ! وها هم أولاء يتوجهون إلى أهل الجنة بالسلام . . يقولونها وهم يطمعون أن يدخلهم الله الجنة معهم ! . . .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } .
يعني جلّ ثناؤه بقوله : وَبَيْنَهُما حِجابٌ وبين الجنة والنار حجاب ، يقول : حاجز ، وهو السور الذي ذكره الله تعالى فقال : فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ وهو الأعراف التي يقول الله فيها : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ . كذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله بن رجاء ، وعن ابن جريج ، قال : بلغني ، عن مجاهد ، قال : الأعراف : حجاب بين الجنة والنار .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَبَيْنَهُما حِجابٌ وهو السور ، وهو الأعراف .
وأما قوله : وَعلى الأعْرَافِ رِجالٌ فإن الأعراف جمع واحدها عُرْف ، وكلّ مرتفع من الأرض عند العرب فهو عُرْف ، وإنما قيل لعرف الديك : عُرْف ، لارتفاعه على ما سواه من جسده ومنه قول الشماخ بن ضرار :
وَظَلّتْ بأعْرَافٍ تَعَالى كأنّهَا ***رِماحٌ نَحاها وِجْهَةَ الرّيحِ رَاكِزُ
يعني بقوله : «بأعراف » : بنشوز من الأرض ومنه قول الاَخر :
كُلّ كِنازٍ لَحْمُهُ نِيافُ ***كالعَلَمِ المُوفِي على الأعْرَافِ
وكان السديّ يقول : إنما سمي الأعراف أعرافا ، لأن أصحابه يعرفون الناس .
حدثني بذلك محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، سمع ابن عباس يقول : الأعراف : هو الشيء المشرف .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عبيد الله بن أبي يزيد ، قال : سمعت ابن عباس يقول ، مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : الأعراف : سور كعرف الديك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الأعراف : حجاب بين الجنة والنار سور له باب . قال أبو موسى : وحدثني عبيد الله بن أبي يزيد ، أنه سمع ابن عباس يقول : إن الأعراف تلّ بين الجنة والنار حُبس عليه ناس من أهل الذنوب بين الجنة والنار .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : الأعراف : حجاب بين الجنة والنار ، سور له باب .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن الحرث عن ابن عباس ، قال : الأعراف : سور بين الجنة والنار .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال : الأعراف : سور بين الجنة والنار .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : وَعلى الأعْرَاف رجالٌ يعني بالأعراف : السور الذي ذكر الله في القرآن وهو بين الجنة والنار .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : الأعراف : سور له عرف كعرف الديك .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر ، قال : الأعراف : سور بين الجنة والنار .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثني عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : الأعراف : السور الذي بين الجنة والنار .
واختلف أهل التأويل في صفة الرجال الذين أخبر الله جلّ ثناؤه عنهم أنهم على الأعراف وما السبب الذي من أجله صاروا هنالك ، فقال بعضهم : هم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فجُعلوا هنالك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء ، ثم يُدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، قال : قال الشعبي : أرسل إليّ عبد الحميد ، بن عبد الرحمن وعنده أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى قريش ، وإذا هما قد ذَكَرا من أصحاب الأعراف ذِكْرا ليس كما ذَكَرا ، فقلت لهما : إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة . فقالا : هات فقلت : إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف ، فقال : هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار ، قالوا : ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين فبيناهم كذلك ، اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال : اذهبوا وادخلوا الجنة ، فإني قد غفرت لكم
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن الشعبيّ ، عن حذيفة ، أنه سُئل عن أصحاب الأعراف ، قال : فقال : هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة ، وخلفت بهم حسناتهم عن النار . قال : فوقفوا هنالك على السور حتى يقضي الله فيهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير وعمران بن عيينة ، عن حصين ، عن عامر ، عن حذيفة ، قال : أصحاب الأعراف : قوم كانت لهم ذنوب وحسنات ، فقصرت بهم ذنوبهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار ، فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه فينفذ فيهم أمره .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن جابر ، عن الشعبيّ ، عن حذيفة ، قال : أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فيقول : ادخلوا الجنة بفضلي ومغفرتي ، لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ اليوم وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن عامر ، عن حذيفة ، قال : أصحاب الأعراف قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار ، وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذليّ ، قال : قال سعيد بن جبير ، وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود ، قال : يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار . ثم قرأ قول الله : فَمَن ثَقُلَت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَن خَفّت مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الّذِينَ خَسِرُوا أنْفُسَهُم . ثم قال : إن الميزان يخفّ بمثقال حبة ويرجح قال : فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف . فوْقفوا على الصراط ، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار ، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا : سلام عليكم وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم نظروا أصحاب النار ، قالوا : رَبّنا لا تَجْعَلْنَا مَعَ القَوْمِ الظّالمينَ فيتعوّذون بالله من منازلهم . قال : فأما أصحاب الحسنات ، فإنهم يُعْطَوْن نورا فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم ، ويُعطى كلّ عبد يومئذٍ نورا وكلّ أمة نورا ، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كلّ منافق ومنافقة . فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون ، قالوا : ربنا أتمم لنا نورنا وأما أصحاب الأعراف ، فإن النور كان في أيديهم ، فلم ينزع من أيديهم ، فهنالك يقول الله : لَم يَدخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فكان الطمع دخولاً . قال : فقال ابن مسعود : على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشرا ، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلاّ واحدة . ثم يقول : هلك من غلب وُحدانه أعشاره .
حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع ، قال : أخبرني ابن وهب قال : أخبرني عيسى الخياط عن الشعبيّ ، عن حذيفة ، قال : أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار ، وهم آخر من يدخل الجنة ، قد عَرفوا أهل الجنة وأهل النار .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا همام ، عن قتادة ، قال : قال ابن عباس : أصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم ولا سيئاتهم على حسناتهم .
حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عبد الله بن الحرث ، عن ابن عباس ، قال : الأعراف : سور بين الجنة والنار ، وأصحاب الأعراف بذلك المكان ، حتى إذا بدا لله أن يعافيهم ، انطلق بهم إلى نهر يقال له الحياة حافتاه قضب الذهب مكلل باللؤلؤ ترابه المسك ، فألقوا فيه حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها ، حتى إذا صلحت ألوانهم أتَى بهم الرحمن ، فقال : تمنوا ما شئتم قال : فيتمنون ، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم : لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرّة . فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يُعرفون بها ، يُسّمون مساكين الجنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : أصحاب الأعراف يؤمر بهم إلى نهر يقال له الحياة ، ترابه الورس والزعفران ، وحافتاه قضب اللؤلؤ . قال : وأحسبه قال : مكلل باللؤلؤ . وقال : فيغتسلون فيه ، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء فيقال لهم : تمنوا فيقال لهم : لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا وإنهم مساكين أهل الجنة . قال حبيب : وحدثني رجل : أنهم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب بن ثابت ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : أصحاب الأعراف يُنْتَهى بهم إلى نهر يقال له الحياة ، حافَتاه قضب من ذهب قال سفيان : أراه قال : مكلل باللؤلؤ . قال : فيغتسلون منه اغتسالة ، فتبدو في نحورهم شامة بيضاء ، ثم يعودون فيغتسلون فيزدادون ، فكلما اغتسلوا ازدادت بياضا ، فيقال لهم : تمنوا ما شئتم فيتمنون ما شاءوا . فيقال لهم : لكم ما تمنيتم وسبعون ضعفا قال : فهم مساكين أهل الجنة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن حصين ، عن الشعبيّ ، عن حذيفة ، قال : أصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فهم على سور بين الجنة والنار لَم يَدخُلُوها وَهُم يَطْمَعُونَ .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان ابن عباس يقول : الأعراف بين الجنة والنار ، حبس عليه أقوام بأعمالهم . وكان يقول : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم ، ولا سيئاتهم على حسناتهم .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : قال ابن عباس : أهل الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : أصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
وقال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير ، قال : أصحاب الأعراف استوت أعمالهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : أصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فوقفوا هنالك على السور .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سفيع أو سميع قال أبو جعفر : كذا وجدت في كتاب سفيع عن أبي علقمة قال : أصحاب الأعراف : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم .
وقال آخرون : كانوا قُتلوا في سبيل الله عصاة لاَبائهم في الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أبي مسعر ، عن شرحبيل بن سعد ، قال : هم قوم خرجوا في الغزو بغير إذن آبائهم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني خالد ، عن سعيد ، عن يحيى بن شبل : أن رجلاً من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال أن أباه أخبره أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ، فقال : «هُمْ قَوْمٌ غَزَوْا فِي سَبِيلِ اللّهِ عُصَاةٌ لاَبائِهِمْ ، فَقُتِلُوا ، فأعْتَقَهُمُ اللّهُ مِنَ النّارِ بِقَتْلِهِمْ فِي سَبيله ، وَحُبسُوا عَن الجَنّةِ بِمَعْصيَةِ آبائِهِمْ ، فَهُمْ آخِرُ مَنْ يَدْخُلَ الجَنّةِ » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن أبي معشر ، عن يحيى بن شبل مولى بني هاشم ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ، فقال : «قَوْمٌ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِمَعْصِيَةِ آبائِهِمْ ، فَمَنَعَهُمْ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَن النّارِ ، وَمَنَعَتْهُمْ مَعْصِيَةُ آبائِهِمْ أنْ يَدْخُلُوا الجَنّةَ » .
وقال آخرون : بل هم قوم صالحون فقهاء علماء . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : أصحاب الأعراف قوم صالحون ، فقهاء علماء .
وقال آخرون : بل هم ملائكة وليسوا ببني آدم . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي مجلز ، قوله : وبَيْنَهُما حِجابٌ وَعلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : هم رجال من الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار . قال : وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ . . . إلى قوله : رَبّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ القَومِ الظّالمِينَ . قال : فنادى أصحاب الأعراف رجالاً في النار يعرفونهم بسيماهم : ما أغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أهَؤُلاء الّذِينَ أقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ قال : فهذا حين دخل أهل الجنة الجنة ، ادْخُلُوا الجَنّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أنْتُمْ تَحْزَنُونَ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت عمران ، قال : قلت لأبي مجلز : يقول الله : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ وتزعم أنت أنهم الملائكة ؟ قال : فقال : إنهم ذكور وليسوا بإناث .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز : وَعلى الأعْرافِ رِجالٌ قال : رجال من الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم ، أهل النار وأهل الجنة ، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن أبي عديّ ، عن التيمي ، عن أبي مجلز ، بنحوه .
وقال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن سفيان ، عن التيمي ، عن أبي مجلز ، قال : أصحاب الأعراف الملائكة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا يعلى بن أسد ، قال : حدثنا خالد ، قال : أخبرنا التيمي ، عن أبي مجلز : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ قال : هم الملائكة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ قال : هم الملائكة . قلت : يا أبا مجلز يقول الله تبارك وتعالى رجال ، وأنت تقول ملائكة ؟ قال : إنهم ذكران ليسوا بإناث .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد عن عمران بن حُدَير ، عن أبي مجلز ، في قوله : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : الملائكة ، قال : قلت : يقول الله رجال ، قال : الملائكة ذكور .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه فيهم : هم رجال يعرفون كلاّ من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحّ سنده ولا أنه متفق على تأويلها ، ولا إجماع من الأمة على أنهم ملائكة . فإذ كان ذلك كذلك ، وكان ذلك لا يدرك قياسا ، وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن الرجال اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم ودون سائر الخلق غيرهم ، كان بيّنا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة قول لا معنى له ، وأن الصحيح من القول في ذلك ما قاله سائر أهل التأويل غيره . هذا مع من قال بخلافه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأخبار وإن كان في أسانيدها ما فيها . وقد :
حدثني القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني جرير عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف ، فقال : «هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ العِبادِ ، وَإذَا فَرَغَ رَبّ العالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ بينَ العِبادِ ، قال : أنْتُمْ قَوْمٌ أخْرَجَتْكُمْ حَسنَاتُكُمْ مِنَ النّارِ وَلمْ تُدْخِلْكُمُ الجَنّةُ ، وأنْتُمْ عُتَقائي فَارْعَوْا مِنَ الجَنّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ » .
القول في تأويل قوله تعالى : يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسيماهُمْ وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ .
يقول تعالى ذكره : وعلى الأعراف رجال يعرفون أهل الجنة بسيماهم ، وذلك بياض وجوههم ونضرة النعيم عليها . ويعرفون أهل النار كذلك بسيماهم ، وذلك سواد وجوههم وزرقة أعينهم ، فإذا رأوا أهل الجنة نادوهم : سلام عليكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : يعرفون أهل النار بسواد الوجوه ، وأهل الجنة ببياض الوجوه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : أنزلهم الله بتلك المنزلة ليعرفوا من في الجنة والنار ، وليعرفوا أهل النار بسواد الوجوه ، ويتعوّذوا بالله أن يجعلهم مع القوم الظالمين ، وهم في ذلك يحيون أهل الجنة بالسلام ، لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها ، وهم داخلوها إن شاء الله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : بِسِيماهُمْ قال : بسواد الوجوه وزُرقة العيون .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَعَلى الأعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ الكفار بسواد الوجوه وزرقة العيون ، وسيما أهل الجنة مبيضة وجوههم .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : أصحاب الأعراف إذا رأوا أصحاب الجنة عرفوهم ببياض الوجوه ، وإذا رأوا أصحاب النار عرفوهم بسواد الوجوه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : إن أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام ، وكان حسم أمرهم لله ، فأقيموا ذلك المقام إذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه ، فقالوا رَبّنَا لا تجعلْنَا معَ القَوْمِ الظّالِمِينَ وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض الوجوه ، فذلك قوله : وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَم يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ .
حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك ، في قوله : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ زعموا أن أصحاب الأعراف رجال من أهل الذنوب أصابوا ذنوبا وكان حَسْمُ أمرهم لله ، فجعلهم الله على الأعراف ، فإذا نظروا إلى أهل النار عرفوهم بسواد الوجوه ، فتعوّذوا بالله من النار وإذا نظروا إلى أهل الجنة ، نادوهم أن سلام عليكم ، قال الله : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ . قال : وهذا قول ابن عباس .
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ يعرفون الناس بسيماهم ، يعرفون أهل النار بسواد وجوههم ، وأهل الجنة ببياض وجوههم .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ يعرفون أهل النار بسواد وجوههم ، وأهل الجنة ببياض وجوههم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَعَلى الأعْرَافِ رِجالٌ يَعْرفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : أهل الجنة بسيماهم بيض الوجوه ، وأهل النار بسيماهم سود الوجوه . قال : وقوله يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : أصحاب الجنة وأصحاب النار ، ونادوا أصحاب الجنة ، قال : حين رأوا وجوههم قد ابيضت .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : يَعْرِفُونَ كُلاّ بِسِيماهُمْ قال : بسواد الوجوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن يمان ، عن مبارك ، عن الحسن : بِسِيماهُمْ قال : بسواد الوجوه ، وزُرقة العيون .
والسيماء : العلامة الدالة على الشيء في كلام العرب ، وأصله من السّمَةِ نُقلت واوها التي هي فاء الفعل إلى موضع العين ، كما يقال : اضمحلّ وامضحلّ . وذُكر سماعا عن بعض بني عقيل : هي أرض خامة ، يعني : وَخِمة ومنه قولهم : له جاه عند الناس ، بمعنى : وجه ، نُقلت واوه إلى موضع عين الفعل وفيها لغات ثلاث : «سيما مقصورة » ، و «سيماء » ممدودة ، و «سيمياء » بزيادة ياء أخرى بعد الميم فيها ومدّها على مثال الكبرياء ، كما قال الشاعر :
غُلامٌ رَماهُ اللّهُ بالحُسْنِ إذْ رَمى ***لَهُ سِيمْياءُ لا تَشُقّ على البَصَرْ
وأما قوله : وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أي حلّت عليهم أمنة الله من عقابه وأليم عذابه .
واختلف أهل التأويل في المعني بقوله : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ فقال بعضهم : هذا خبر من الله عن أهل الأعراف أنهم قالوا لأهل الجنة ما قالوا قبل دخول أصحاب الأعراف ، غير أنهم قالوه وهم يطمعون في دخولها . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : أهل الأعراف يعرفون الناس ، فإذا مرّوا عليهم بزمرة يذهب بها إلى الجنة قالوا : سلام عليكم يقول الله لأهل الأعراف : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ أن يدخلوها .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : تلا الحسن : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال : والله ما جعل ذلك الطمع في قلوبهم إلاّ لكرامة يريدها بهم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعونَ قال : أنبأكم الله بمكانهم من الطمع .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذليّ ، قال : قال سعيد بن جبير ، وهو يحدّث ذلك عن ابن مسعود ، قال : أما أصحاب الأعراف ، فإن النور كان في أيديهم فانتزع من أيديهم يقول الله : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال : في دخولها . قال ابن عباس : فأدخل الله أصحاب الأعراف الجنة .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن جابر ، عن عكرمة وعطاء : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قالا : في دخولها .
وقال آخرون : إنما عُني بذلك أهل الجنة ، وأن أصحاب الأعراف يقولون لهم قبل أن يدخلوا الجنة : سلام عليكم ، وأهل الجنة يطمعون أن يدخلوها ، ولم يدخلوها بعد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن سليمان التيمي ، عن أبي مجلز : وَنادَوْا أصحَابَ الجَنّةِ أنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ قال : الملائكة يعرفون الفريقين جميعا بسيماهم ، وهذا قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة أصحاب الأعراف ، ينادون أصحاب الجنة : أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون في دخولها .
{ وبينهما حجاب } أي بين الفريقين لقوله تعالى : { فضرب بينهم بسور } أو بين الجنة والنار ليمنع وصول اثر إحداهما إلى الأخرى . { وعلى الأعراف } وعلى أعراف الحجاب أي أعاليه ، وهو السور المضروب بينهما جمع عرف مستعار من عرف الفرس وقيل العرف ما ارتفع من الشيء فإنه يكون لظهوره أعرف من غيره . { رجال } طائفة من الموحدين قصروا في العمل فيحبسون بين الجنة والنار حتى يقضي الله سبحانه وتعالى فيهم ما يشاء وقيل قوم علت درجاتهم كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، أو الشهداء رضي الله تعالى عنهم ، أو خيار المؤمنين وعلمائهم ، أو ملائكة يرون في صورة الرجال . { يعرفون كلا } من أهل الجنة والنار . { بسيماهم } بعلامتهم التي أعلمهم الله بها كبياض الوجه وسواده ، فعل من سام إبله إذا أرسلها في المرعى معلمة ، أو من وسم على القلب كالجاه من الوجه ، وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو تعليم الملائكة . { ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم } أي إذا نظروا إليهم سلموا عليهم . { لم يدخلوها وهم يطعمون } حال من الواو على الوجه الأول ومن أصحاب على الوجوه الباقية .