إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَبَيۡنَهُمَا حِجَابٞۚ وَعَلَى ٱلۡأَعۡرَافِ رِجَالٞ يَعۡرِفُونَ كُلَّۢا بِسِيمَىٰهُمۡۚ وَنَادَوۡاْ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ أَن سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡۚ لَمۡ يَدۡخُلُوهَا وَهُمۡ يَطۡمَعُونَ} (46)

{ وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي بين الفريقين كقوله تعالى : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [ الحديد ، الآية 13 ] أو بين الجنة والنار ليمنعَ وصولُ أثرِ إحداهما إلى الأخرى { وَعلى الأعراف } أي على أعراف الحجابِ وأعاليه وهو السورُ المضروبُ بينهما جمعُ عُرف مستعار من عُرف الفرس وقيل : العرف ما ارتفع من الشيء فإنه بظهوره أعرفُ من غيره { رِجَالٌ } طائفةٌ من الموحدين قصّروا في العمل فيجلسون بين الجنة والنارِ حتى يقضيَ الله تعالى فيهم ما يشاء{[264]} ، وقيل : قومٌ عَلَت درجاتُهم كالأنبياء والشهداء والأخيارِ والعلماءِ من المؤمنين ، أو ملائكةٌ يُرَون في صور الرجال { يَعْرِفُونَ كُلاًّ } من أهل الجنة والنار { بسيماهم } بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجهِ وسوادِه ، فِعلى من سام إبِلَه إذا أرسلها في المرعى مُعْلَمةً ، أو مِنْ وَسَم ، بالقلب ، كالجاه من الوجه ، وإنما يعرفون ذلك بالإلهام أو بتعليم الملائكة { وَنَادَوْا } أي رجالُ الأعراف { أصحاب الجنة } حين رأوهم { أَن سلام عَلَيْكُمْ } بطريق الدعاءِ والتحية أو بطريق الإخبارِ بنجاتهم من المكاره { لَمْ يَدْخُلُوهَا } حالٌ من فاعل نادَوْا أو من مفعوله وقوله تعالى : { وَهُمْ يَطْمَعُونَ } حال من فاعل يدخلوها أي نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم طامعين في دخولها مترقبين له ، أي لم يدخلوها وهم في وقت عدمِ الدخول طامعون .


[264]:سيعود المؤلف إلى استبعاد هذا التأويل بعد قليل.